لا مكان لضحية ترهن مصيرها بأخلاق المجرم

كما هي الحال في كلّ حرب، تشهد فترات التقدم حفاوة الإعلان السهل بالانتماء إلى المنتصرين، وتخمد فترات النكوص والتراجع هذه الميول، لترتفع أصوات مقابلة، تطرح ذاتها كحقائق تشريحية لسبب (الهزيمة)، وتحيل الأمر برمته إلى عوامل موجودة عند (الآخر) الذي لم يستمع إلى نصيحة (لم يقلها أحد له) عندما كان شريكاً في النصر.

لا يختلف الوضع في سوريا عمّا سواه، ومع أنّ تشخيص أسباب التقدم الذي يحققه نظام بشار الأسد، منذ بدء التدخل العسكري الروسي الوحشي لصالحه، بات ضرورة ملحّة؛ لتلافي هذا التدهور، وإعادة صياغة خطط عمل واقعية، تمنح الناس فرصة لعدم الوقوع في مستنقع أبدي من الطغيان.

لكن الفارق واضح بالقطع، بين مبدأ الولاء لحق البشر الأصيل في الحرية، ومقاومة طغمة إرهابية وطائفية حاكمة مثل نظام بشار الأسد، وبين استسهال التملص من الانتماء إلى (ثورة مجهضة)، ومع أنّ الثورة ليست (منتهية) كما يحاول البعض الترويج، لإنّها في كمونها وضعفها الراهن -وهو أمر يجب الإقرار به- تختزل فرصة تجدد في الوعي، كانت قد قدمتها في مطالع انطلاقتها عام 2011، قبل أن تغرق الفكرة في مذابح يومية، قلّ أنّ استطاع شعبٌ الصمود أمامها لسنوات.

ليست ثمة واقعية من أيّ نوع في تبني الاستسلام النهائي خلال معركة لم تحسم بعد، ولا وجهاً للحصافة والذكاء في القبول بمنهج القاتل وشركائه، كممر لحل سياسي، يعرف كلّ من شارك في الثورة، ولو بكلمة، أنّ الأسد ليس معنياً بتحققه تحت أي ظرف.

وسيكون هذا نوعاً من الركون إلى عقلية ضحية تطوعية ترهن مصيرها بـأخلاق المجرم، وهو ما سينطبق على أيّ منتج سياسي وقانوني؛ يراد للسوريين أنّ يتقبلوا فكرة انصياع الأسد له طوعاً. لم يحدث أنّ التزم النظام بدستور وضعه هو بنفسه في عز قوته، ليلتزم الآن بدستور (توافقي) مع معارضة يعتقد أنه هزمها.

لا يضمر الأسد للسوريين الآن سوى الانتقام، وهو يتريث في إطلاق الموجة الكبرى لوحشية التنكيل بهم، فقط لأنّه لم يحسم معركته كما يعتقد البعض في المعارضة؛ التي انقسمت إلى منظرين خطابيين، يرددون تأكيدات جوفاء بالانتصار الحتمي، دون أدوات واضحة، وبين منسحبين يطالبون الناس بقبول هزيمة -لم تحدث- دون نقاش، في مسعى انتحاري لاغتيال وعي بالقوة والحق، دفع الثوار الحقيقيون حياتهم لتأسيسه.