كيف يبدو المشهد في مدينة الرقة بعد نصف عام على سيطرة «قسد»

AFP

تغيب الرقة التي كانت عاصمة داعش وأكبر معاقله، منذ سيطرة قسد عليها قبل ستة أشهر، عن المشهد نوعاً ما، باستثناء بعض الأخبار التي تتحدث في كل مرة عن ضحايا مدنيين قضوا بانفجار ألغام من مخلفات القصف والمعارك، والكثير من أعمال السرقة.

«لم تستعد المدينة عافيتها، فالبيوت مُدمرة، والشوارع مكتظة بالركام، وسط حياة تعود ببطء شديد، في ظل تخاذل وتضييق تمارسه قسد»، يقول حازم أحد سكان المدينة الذي عبر عن شعوره بالخذلان بعد أن تخلّى العالم بأسره عن المدينة وأهلها، فكل وعود قسد بإعادة إعمار المدينة كانت «آمالاً خائبة».

الألغام قتلت نحو 300 مدني منذ سيطرة «قسد»

الألغام الكثيرة التي خلفها التحالف، وتلك التي زرعها داعش قبل انسحابه من المدينة أودت بحياة 300 مدني وأصابت مئات آخرين بجروح خطيرة، بينها حالات بتر أطراف. بعض الضحايا قضوا بانفجار قنابل عنقودية، فيما قضى 80% منهم بانفجار ألغام أرضية زرعها داعش، ثلثي تلك الإصابات كانت تنتهي بالوفاة قبل وصولها إلى المشفى لخطورة الإصابة، على حد قول أحد الأطباء في مشفى الرقة.

لم تنفع مطالبات الأهالي لـ قسد بتسريع وتيرة نزع الألغام، ولا تلك الدعوات بمحاسبة المقصرين وفتح تحقيق محايد حول أسباب التأخير، ما دفع الأهالي «لدفع مبالغ تصل إلى 600 دولاراً لـ فرق إزالة الألغام للكشف على منزل أو محل تجاري»، يقول حازم الذي يرى أن من ينجو من الألغام فأمامه عصابات الخطف والسرقة التي ملأت المدينة، دون تحريك ساكن من قسد.

عمليات «تعفيش» منظمّة تشهدها مدينة الرقة

«عصابات منظمة» تدير عمليات اختطاف المدنيين لـ طلب «فدية مالية» مقابلهم، وعمليات التعفيش المنظم من قبل قياديين وعناصر تابعين لـ «قسد»، طالت حتى الأجهزة والمعدات الطبية من العيادات الخاصة التي نجت من القصف رغم حاجة المدينة إليها. عصابات «السرقة» هناك، تحوّلت مِن سلب ونهب الصيدليات والمحال التجارية ومخازن الحبوب وسرقة السيارات على مختلف أنواعها، إلى «تعفيشِ» منازل المدنيين بشكل كامل، وفق ما ذكر «حازم» الذي أكّد أن المسروقات تُجمع في مستودعات تابعة لـ «قسد» شرقي مدينة الرقة، تمهيداً لـ نقلها إلى أسواق التصريف في مناطق سيطرتها بريف الحسكة وشرق حلب.

عدا عن أعمال السرقة في مدينة الرقة، فإن «قسد» ما زالت تفرض ضرائب على الأهالي القادمين مِن مخيمات النزوح المحيطة، رغم الغياب الكلّي للخدمات وموارد العيش الأساسية في المدينة، فضلاً عن منعها للسكّان بإعادة ترميم منازلهم المدمّرة إلّا بعد دفع «ضريبة إعادة الإعمار»، كما هدّدت -حسب موقع الرقة تذبح بصمت -بمصادرة معدات ورشات البناء، في حال لم يدفعوا «الإتاوات» المفروضة عليهم.

انتهاكات أخرى لـ «قسد» في مدينة الرقة

عمليات «التعفيش المنظّمة» لـ «قسد» (التي تشكّل «وحدات حماية الشعب»YPG  -مكّونها الرئيسي)، لم تكن وحدها التي أرهقت سكّان مدينة الرقة، بل وصل الأمر إلى الاستيلاء على ممتلكات المدنيين تحت ذريعة انتماء أصحابها لتنظيم الدولة، حيث صادرت مئات المنازل والمزارع والمحال التجارية، فضلاً عن عمليات التهجير «القسري» لـ أولئك المدنيين. ساهم في ذلك «ضياع وتدمير السجلات في المدينة، ودمار أكثر من ثلثي المباني فيها»، بحسب ما نقله وفد الأمم المتحدة الذي تمكن من دخول الرقة في مطلع شهر آذار الفائت، والذي وصف مهمته بـ «الصعبة بسبب القيود على التحركات، وضعف الاتصال والتوترات التي تشهدها المدينة».

ولم يقتصر الأمر هنا على مدينة الرقة فحسب، بل امتد لمعظم مناطق سيطرة قسد في ريف الرقة، مِن مدينة تل أبيض شمالاً حتى مدينة الطبقة جنوباً، والذي شهد عمليات استيلاء لمنازل المدنيين، وتهجيرهم إلى المخيمات، واعتقال بعضهم بتهم الانتماء لـ تنظيم «الدولة»، وفرض التجنيد «الإجباري» على آخرين.

وأصدرت بذلك «الإدارة الذاتية» (التي يهمين عليها «حزب الاتحاد الديمقراطي PYD-) تعميماً يفرض على كل مدني ولد بين عامي 1990 و1999 مراجعة مركز «واجب الدفاع المدني» في مدينة الطبقة (المركز المخصص لاستقبال الشبان الملتحقين بالتجنيد القسري). رافق ذلك احتجاجات ومظاهرات من قبل الأهالي على القرار، تطورت إلى اشتباكات مع «لواء ثوار الرقة» المكون العربي من أبناء المدينة.

تزامناً مع هذه التفاصيل، نقل مجلس الرقة المدني التابع لـ «قسد»، مقرّه مِن بلدة عين عيسى إلى ثانوية «ابن طفيل» في مدينة الرقة، وسط ترجيحات بأنه يسعى إلى إعادة الحياة للمدينة، إلّا أن «حازم» يقول، إن الوقائع الفعلية على الأرض تُشير إلى عكس ذلك تماماً، فالمياه ما زالت مقطوعة في معظم أحياء المدينة، فيما تغيب الكهرباء نهائياً عنها، وتفتقر الأحياء للخدمات الأساسية اللازمة لعودة الحياة.

كل هذه الظروف تضع عشرات آلاف النازحين بين خيارين، إما البقاء في مخيماتهم بظروفها القاسية، أو العودة إلى المدينة رغم انعدام الأمن ودعم المنظمات، ويزيد على ذلك ابتزازهم من قبل قسد، وتقييد نشاطاتهم ومحاولاتهم بإعادة الحياة الطبيعية إلى مدينتهم.