كورونا: هل تلاشى الوباء في سوريا

Reuters

ألغت غالبية بلدان العالم القيود الخاصة ب (كوفيد-19)، وانقسمت إلى مجموعتين: بلدان تتمتع بنظام صحي ذي كفاءة عالية ساعدها على تطعيم أكثر من 80% من سكانها، وأخرى سترهق إجراءات التقييد بحال استمرارها سكانها اقتصادياً -ومن ضمنها سوريا-، لكن ذلك لا يلغي بأن الشعور بعبء كوفيد لفترة أطول سيلاحق سكانها.

المرض لن ينتهي بمجرد أن قامت سلطات محلية أو منظمات عاملة بالإعلان عن انتهائه. وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية (WHO)، الوباء انتهى لكن المرض لم ينتهِ ويعود على شكل موجات، والبلدان الأكثر عرضة لهذه الموجات هي تلك التي تمتلك مستوى تطعيم منخفض، وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس رئيس منظمة الصحة العالمية آذار الماضي "كل بلد يواجه وضعاً مختلفاً مع تحديات مختلفة، ولكن الوباء لم ينتهِ بعد، أكرر أن الوباء لم ينتهِ بعد".

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن اختبارات فيروس كورونا وتتبعه موجود بالفعل عند مستويات منخفضة مقارنةً بمستويات سابقة، لكن ذلك لا يمنع من استمرار كوفيد في التأثير على مناطق سوريا، التي تعتبر من الدول منخفضة المستوى بالنسبة إلى أعداد الأشخاص الذين تلقوا التطعيم.

ويزداد الأمر سوءاً مع تراجع الكثير من الداعمين والدول التي كانت لديها خطط لتنفيذ مشاريع وأبحاث خاصة بكوفيد منذ بداية نيسان الفائت، إذ بمجرد عدم اعتبار هذه الأمراض تهديداً في البلدان المتقدمة، تراجعت حكوماتها عن الأبحاث والتمويل الذي استفاد العالم بأسره منه.

يضاف إلى ذلك قيام السلطات في مناطق السيطرة المختلفة بإلغاء عدد من المراكز المخصصة للاستجابة. في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية"، تم إغلاق قسم كوفيد في مستشفيي ديريك وجيان بالقامشلي، وفي مناطق سيطرة النظام تم إلغاء قسم كوفيد في كل من مستشفى الوطني في اللاذقية ومستشفيات حمص وعدد من قريناتها في دمشق، إضافة إلى إغلاق الكثير من المستشفيات الخاصة أقسام العناية الخاصة بمرضى كوفيد.

ما تزال لجنة الصحة التابعة للإدارة الذاتية تصدر تقريراً فيه تحديث يومي بالإصابات والوفيات، ولكن بأرقام مبالغ جداً في تقنينها، بينما توقف تحديث الإحصائيات في مناطق النظام، حتى أن بعض الأطباء في هذه المناطق يؤكدون بأن الأجهزة الخاصة بفحص العينات لم تعمل منذ بداية شهر نيسان. في حين يعمل برنامج الترصد الوبائي في حلب وإدلب ومناطق "نبع السلام" حتى اللحظة، على تحديث الأرقام الخاصة بالوباء بشكل يومي.

منظمة الصحة العالمية أعلنت في آذار الماضي أن سوريا تمتلك جرعات لقاح تكفي لتطعيم 43% من سكانها، وأن عدد الجرعات التي كان مخططاً لدخولها إلى سوريا تقارب المليون جرعة في شهر نيسان، لكنها لم تصل.

وتشير الأرقام المعلنة والتقديرات إلى تواضع أعداد من تلقى التطعيم على اختلاف مناطق السيطرة. فحتى الآن لم يصل إلى نسبة 20% من تلقى جرعة لقاح على الأقل من سكان مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" ومناطق المعارضة المدعومة من تركيا، وإلى 12% منهم تلقى جرعتي لقاح منهم. وفي مناطق سيطرة الإدارة الذاتية تلقى أقل من 13% من سكانها جرعة لقاح على الأقل، و7% منهم جرعتي لقاح.

أما في مناطق سيطرة النظام، وحسب تقديرات أطباء وعاملين في المجال الصحي، فإن أعداد الذين تلقوا جرعات لقاح لا تتجاوز 7%، الأمر الذي أكدته وزارة الصحة في حكومة النظام.

تتلقى الاستجابة لكوفيد في سوريا ضربة موجعة من خلال خفض التمويل لاستجابة كوفيد في الدول النامية، التي يتم تمويلها من خلال المنح الدولية الخاصة بالقطاع الطبي. في مناطق النظام قامت المنظمات العاملة على استجابة كوفيد، بتعليق العمل في 6 مراكز صحية ممولة لاستجابة كوفيد في ريف إدلب الجنوبي وحلب وطرطوس.

وفي مناطق الإدارة تم تعليق العمل بمجموعة العمل الخاصة باستجابة كوفيد، إضافة إلى إيقاف تغطية تكاليف العاملين بها، وإغلاق 5 مراكز خاصة بكوفيد مع عدم وصول أي جرعة لقاح منذ الأسبوع الأخير من شهر آذار 2022. أما في مناطق الهيئة والمعارضة، فقد تم إغلاق 5 مراكز ممولة لاستجابة كوفيد في إدلب ومناطق درع الفرات، بينما لا جديد يذكر في شأن عدم توفر اللقاحات، وعدد رافضيها أكبر من عدد متقبليها.

تبعاً لتقديرات العاملين الصحيين في مناطق السيطرة المختلفة، تظهر حالات كثيرة تعاني من ارتدادات الفيروس المتمثلة بمشاكل ضيق التنفس، إضافة إلى وجود مرضى سابقين يعانون من وهن عام ناتج عن الإصابة، وأن المتضرر الأكبر هم عمال القطاع الصحي.

بالمحصلة تشير الأرقام والتقديرات والملاحظات إلى واقع صحي متهالك، وسلطات محلية تحاول مواجهة وباء غير مسبوق لكنها لا تملك أدنى مقومات تلك المواجهة، ما يجعل التعامل مع هذه الأزمة معقداً للغاية على المستوى الصحي، كما على مستوى الآثار الاجتماعية والاقتصادية. وفي الوقت الذي يحشد العالم إمكاناته الطبية لمواجهة فيروس جديد (جدري القرود)، تبقى البلدان النامية ومنها سوريا، في حالة من التيه في مواجهة الفيروس السابق، وتتعاظم المخاوف من أن تعاني هذه الدول من جائحات مزدوجة من الفيروسين.