قلة «مؤمنون» عدة داعش في مرحلتها الآتية

مع الهزائم المتتالية التي مُني بها تنظيم داعش، في سوريا والعراق، واقتراب اليوم الذي سيخسر فيه آخر ما يحتله من أرض، صار من الضروري الاهتمام  بالتغيُّرات المحتملة التي ستلحق بداعش كعقيدةٍ وتنظيم في المرحلة القادمة.

منذ أشهر وبعد أن أدركت قيادة داعش أن نهاية دولتها قد أوشكت، وأنها لن تستطيع التمسك بما لديها من جغرافيا، بدأ شرعيو التنظيم ودعويوه بتبرير الهزيمة والتقليل من أهميتها بأنها لا تعدو «الانحياز عن أرض» حتى لو كانت «أرض الخلافة». فخسارة الأرض وفق دعويي داعش ليست قاتلة طالما بقي الإيمان بالفكرة، وطالما أُتيح لها فئةٌ تواصل المسيرة في المرحلة القادمة حين تتحول داعش من «دولة» إلى تنظيم سري. حينذاك لا يلزم التنظيم جميع مَن هم منتسبون إليه اليوم، ومِن الأنفع له أن تتقلّص الأعداد إلى الحد الذي يُمكِن به قيادتها وتحقيق التشغيل الأمثل لها وحمايتها من الخطر الذي تمثله القوى العدوة للتنظيم. وأيضاً إلى الحد الذي يمكن عنده تأمين الموارد المالية المطلوبة لتغطية النفقات. وعلى هذا لا تُعدُّ الخسائر البشرية اللاحقة بداعش، سواء تجسَّدت بمقتلهم أثناء المعارك، أو بهروبهم من صفوف التنظيم، خسارات تؤثر في مسيرته في الطّور السري القادم، بل تخلّصه من الأعداد الفائضة عن الحاجة خلال هذا الطور الذي يلزم له النوع فقط.

يبدو هذا الفرض صحيحاً لسلوك داعش العسكري في معارك الرقة ومعارك البادية وبعض معارك دير الزور، حيث خاض التنظيم معارك عبثيّة محسومة النتائج سلفاً، مني بها بخسائر بشرية فادحة وألحق بمهاجميه في حالة «قسد» وحالة «النظام» خسائر فادحة أيضاً، تخلَّص فيها من مبايعين محليين كثر ومن أجانب غير لازمين في المستقبل. ما حدث في مدينة الميادين وشريط القرى الممتد منها إلى مدينة دير الزور، يسقط هذا الفرض، حيث أخلتها داعش قبل أن يدخلها النظام ولم تُبدِ أي رغبة بالتصدي له رغم قدرتها على إعاقته وعلى «التنكيل» به، على الأقل من أجل الحفاظ على الصورة «البطولية» في أعين مناصريه. هل ادّخرت داعش طاقاتها في الميادين لتُسخّرها في معارك أخرى تراها أشدُّ أهمية بالنسبة للتنظيم؟ هل حدث انهيار مفاجئ في صفوفه دفع بقادته الأعلى لاتخاذ قرار الانسحاب؟ أم أن قادة ميدانيين أقل رتبة اتخذوا هذا القرار؟ يصعب انسحاب داعش المفاجئ من الميادين ضمن المعطيات والمعلومات المتاحة اليوم، لكن المؤكَّد أن هذا الانسحاب يُعد علامة على تسارع إضافي بانهيار داعش كـ«دولة» ونحو انتقالها إلى مرحلة العمل السري. تملك داعش خبرات واسعة اكتسبَتها من تجربتها العراقية بين العامين (2008-2011) حين نجحت الصحوات السنيّة مسنودة بالقوات الأمريكية بهزيمة «الدولة الإسلامية في العراق» ما دفعها إلى العمل تحت الأرض قبل أن تعاود الظهور فوقها مستفيدةً من عوامل مختلفة لا مجال للتوقف عندها الآن.

من سيواصل الرحلة من دواعش اليوم في اليوم التالي للسقوط؟       

في مادة سابقة بعين المدينة «جنود الدولة الإسلامية.. حمقى ومرتزقة ومؤمنون» فرز منتسبو داعش إلى ثلاث فئات، انفض وينفض اليوم معظم الحمقى والانتهازيين عن التنظيم، فيما تعدّدت مآلات المؤمنين السابقين بدعواه، بين من قُتل، ومن اكتشف الحقيقة فقرر الفرار نجاةً بنفسه، ومن تسرّب اليأس إلى نفسه دون أن يجد عزماً أو وسيلة تنقذه من ورطة داعش، ومن ما يزال رغم كل ما حدث وسيحدث على إيمانه. على هذا النوع أو بعضه ممن يمتلك مواهب ومهارات خاصة سيعتمد التنظيم، وفيه ستظهر آثار السجالات والمراجعات النظرية التي سيخوضها شيوخ التنظيم في محاولة منهم للإجابة على السؤال «لماذا هزمنا طالما كنا على صواب، وكنا مؤيَّدين من الله؟» وربما ستولد زمرة أشد غلواً وتطرفاً، تأخذ التنظيم كلَّه لسلوك أشد توحشاً من توحشه المعهود في السنوات الماضية، تُغذِّيه القطيعة النهائية مع الواقع، ويُغذِّيه الحسم النظري والانكسار والنقمة ونوازع الثأر.