قرط في الأذن .. نمط جديد يطبع الشبان السوريين في تركيا

"قررتُ وضع قرط في أذني قبل عام. لم أتردّد. اتخذتُ القرار كوني أعتبر أن ما أقوم به يمثلني وحدي ولا يحقّ لأحد التدخل فيه. لا تهمني نظرة المجتمع. البعض يرى أن هذا السلوك غير ملائم للرجال ويعتبرونه تشبها بالنساء، ولكنني حتى لا آبه لهذه النظرة، فأنا لا أرى أن النساء مختلفات عن الرجال أو أقلّ قيمة منهم، في نظري أن الجنسين في المكانة نفسها ويجب أن يكونا متساويين في الحقوق والحريات بدون أيّ تمييز". 

هذا ما قاله الشاب العشريني محمد طه ل"عين المدينة" عن الأسباب التي دفعته الى وضع قرط في أذنه.
يعيش طه في مدينة غازي عنتاب التركية منذ أعوام، ويعمل في مجال المونتاج التلفزيوني. يقول إن وضع الشبان السوريين أقراطا في آذانهم بات ممارسة شائعة في تركيا، بدليل ان العديد من أصدقائه بادروا الى ذلك. أما السبب في رأيه فهو رغبة الشباب في التعبير عن انفسهم بحرية وبالطريقة التي تحلو لهم، بعيداً من أي قيود اجتماعية سواء كانت صحيحة أو خاطئة.

أضاف: "معظم من التقيتهم بعد قيامي بهذه الخطوة أبدوا رفضهم القاطع لهذا التصرّف وانزعاجهم منه. المشكلة انهم يرفضون فحسب من دون أن يوردوا أسبابا واضحة تبرر هذا الرفض. والحق انني استغرب موقفهم لان سلوكي هذا محض فردي ولا يشكل إساءة اليهم او الى سواهم".

تعرّض طه لمضايقات في عمله بسبب القرط، وطلب منه مديره المباشر مرارا أن يخلعه أثناء لقائه بعض الاشخاص، "كون هذا التصرّف غير مقبول في المجتمع السوري، ويعكس صورة سلبية وشاذة".
أمام هذا الواقع وجد طه نفسه مضطرا الى خلع القرط خلال "بعض الإجتماعات التي يشارك فيها أشخاص من خلفيات محافظة وريفية" حسب ما يقول.

ميار غزال (22 عاماً) طالب سوري يعيش في إسطنبول، ويضع بدوره قرطاً في أذنه منذ العام 2015. يعتبر أن هذا التصرف مرتبط بشخصية الفرد، ويعبر عن حرية فردية سلُبت من الإناث والذكور على السواء في المجتمعات الشرقية. ويؤكد ان هذا السلوك لا علاقة له بالمعتقد الديني، فكثير من اصدقائه السوريين بادروا الى وضع اقراط في آذانهم وما زالوا مواظبين على ممارسة شعائر الدين الاسلامي. 

المفارقة أن ذوي ميار لم يعترضوا على قراره بل شجعوه ودعموه. لكنه واجه مشاكل وانتقادات في المجتمع الاوسع، وكثيرا ما تعرض لكلام مهين وتنمر. ورغم انه كان يتجاهل هذا الموقف السلبي ظاهرا، فإنه في قراره نفسه كان يشعر بانزعاج كبير وتنتابه مشاعر سخط وكره. وقال في هذا الصدد "المؤسف ان المجتمع السوري لا يزال غير قادر على رسم حدود بين إبداء وجهة النظر والتدخل في حياة الآخرين وشؤونهم الشخصية"، ويقصد هنا العدد الكبير من المواطنين السوريين الذين اضطرتهم ظروف الحرب الى الفرار من مناطقهم والاستقرار في مدينة اسطنبول.

أضاف: "ظاهرة وضع القرط في الاذن منتشرة في شكل ملموس بين أصدقائي، وأعتقدُ أنهم وجدوا في تركيا مكاناً ملائماً للتعبير عن أنفسهم بعيداً من الرقابة الاجتماعية التي لا ترحم، فالقانون والمجتمع في تركيا يحترمان هذا التصرّف، ويدرجانه ضمن الحريات الشخصية. حتى ان رؤية اساتذة جامعيين اتراكا يضعون أقراطاً في آذانهم هو مشهد مألوف هنا، لا يستدعي أي استغراب او انتقاد. غير أن الوضع في سوريا شديد الاختلاف، فإذا تجاسر شاب على القيام بذلك فإنه لن يفلت من جملة مضايقات قد تصل الى تهديد سلامته الجسدية والنفسية، وربما القتل. لذا، لا اعتقد أنني كنت سأتجرأ على وضع قرط لو كنت في سوريا". 

يوافق طه غزال على أن الأجواء المريحة والمناخ المتحرر في تركيا ساعدا الشباب السوريين في التعبير عن ذواتهم في شكل أفضل، لكنه يرى أن قرار وضع قرط في الأذن هو قبل كل شيء قرار خاص جداً، ينبع من رغبة عميقة وإصرار، وليس ناتجا من ظروف جديدة بات يعيشها المرء. من هنا، لا مشكلة لديه البتة في القيام بذلك حتى لو كان في سوريا، رغم ما قد يواجهه من "غضب" عائلي أو اجتماعي.

"عين المدينة" سألت الباحث في علم الاجتماع طلال المصطفى عن هذه الظاهرة، فرفض ان يسميها على هذا النحو، مؤكدا، بحسب مشاهداته، أنها لا تزال مجرد حالات فردية في صفوف الشبان السوريين الذين انتقلوا للعيش في تركيا. وهي برأيه "تعبير صارخ عن حال من التمرّد تعتري الشباب السوريين في تركيا، مرتبطة بالحرية التي أتيحت لهم بعد انفصالهم عن أسرهم ومجتمعهم، وقدرتهم تاليا على تنفيذ ما كان صعباً أو مستحيلاً ضمن بيئاتهم".

اضاف "قد تكون هذه الممارسة مرتبطة أيضاً برغبة الشاب السوري في محاكاة النمط التركي ومحاولة الاندماج فيه، وخصوصا أنه سئم أن ينظر اليه الآخر كضحية، وملّ الشفقة والتعاطف وبات يسعى الى ندية اجتماعية ما، يتساوى عبرها مع المواطنين الاتراك".