في يوم وفاة ذو الهمة شاليش.. تذكر نموذج الفساد العلني

لم تكن السنوات الأربعة الأخيرة سعيدة في حياة ذو الهمة شاليش وقد قضاها مريضاً، وفي شبه إقامة جبرية في بيته بحي المالكي في مدينة دمشق. قبل ذلك كان ومنذ مطلع ثمانينات القرن الماضي بمرتبة أمير درجة ثانية في المملكة الأسدية.

ليس معروفاً على وجه الدقة السبب الذي وضع من أجله شاليش في الإقامة الجبرية، لكن تعامل السوريين مع وفاته لم يكن تدقيقاً بالمعلومات بل تهكماً من وقاحة الصفحات المؤيدة وتدليسها، إذ جاء تعاطي السوريين مع الخبر بسيل من التندر لعبارة "توفاه الله بعد 71 عاماً قضاها بالصلاح بالتقوى"، التي احتواها النعي الذي تداولته صفحات عديدة على تطبيق فيسبوك.

فذو الهمة شاليش -وهذا اسمه الحقيقي وليس زهير- هو ابن عمة بشار الأسد، وضابط مخابرات بارز، ومحتكر المشاريع الكبرى في سوريا من أبنية وطرق وما إلى ذلك، عبر وسطاء وواجهات في جميع أنحاء البلاد، من ضمنهم مدراء المؤسسات والشركات الحكومية التي تتولى عملية تنفيذ المشاريع، بالاستفادة من ركائز ثلاث قام عليها فساد ذو الهمة شاليش، هي قرابته من رأس السلطة، ومركزه حارساً شخصياً للأخير، ثم سلطة شقيقه اللواء رياض شاليش المدير التاريخي لمؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية (متاع)، والتي أصبحت إرثاً للعائلة ما يزال ومنذ أربعين عاماً تحت سلطته. وبذلك يتقاسم آل شاليش النفوذ الاقتصادي مع أبناء مخلوف، الفرع الآخر اللصيق بآل الأسد من جهة أنيسة زوجة حافظ.

وكان ذو الهمة تسلم مهمة حراسة حافظ الأسد الخاصة في العام 1994، خلفاً للضابط خالد الحسين الذي أصيب بانهيار عصبي إثر موت باسل في حادث سيارة، كما يؤكد أكثر من مصدر. وقد احتفظ شاليش بعد رحيل خاله بمنصبه في مملكة ابن خاله، وظل فيه طوال عهد بشار حتى عزله بداية العام 2019، ما فتح الباب لتأويلات كثيرة ذكرتها وسائل إعلامية، كـ "قربه من إيران واستعداء الروس"، و"ضلوعه باستهداف مطار حميميم عبر طائرات مسيرة محلية"، لكن من الصعب الركون إلى أحدها.

وأدرج فراس طلاس رجل الأعمال ونجل وزير الدفاع السوري السابق شهادته عن ذو الهمة، في تغريدة على تويتر قائلاً: "كان ذو الهمة شاليش لديه مكتب مسائي للسمسرة العقارية يقع اول استراد حرستا وكان دائم الشغف لتعبئة الشوالات من الدولارات في أكياس مخصصة ليطمرها في أرض مكتبه".

في حين أفاد الإعلامي فيصل القاسم على ذات المنصة، بأن شاليش لم يكن يثق بالبنوك، محتفظاً بملياراته المسروقة في بيوت خاصة بناها لتكون "مستودعات كبيرة للكاش"، مضيفاً أنه "عندما كانوا يسألونه لماذا كل هذا الكاش، كان يقول: هذا من أجل الوطن".

وفي سلسلة من التغريدات، أعرب الإعلامي الأردني والمدير السابق لقناة "الجزيرة" ياسر أبو هلالة من خلال تجربة شخصية، عن شدة غباء ذو الهمة شاليش، والذي تعرف عليه من خلال الإعلامي الراحل سعد السيلاوي في العاصمة الأردنية عمان، ناقلاً عن الأخير قوله أن "شاليش لا يعتقد إن صدام أعدم، وإن عرفات مات، وإن الذي أعدم هو شبيه صدام! وإن التابوت الذي نقل فيه جثمان عرفات من باريس كان فارغا!".

ويضيف أبو هلالة "ظننت إن السيلاوي يمزح على عادته، ولكن اللواء (ذو الهمة شاليش) عندما وقفنا معه أمام قصر رغدان، أكّد كلام السيلاوي! ضحكنا كثيراً أنا وسعد على غبائه، بقدر ما استغربنا أن يكون بموقع أمني رفيع".

وختم أبو هلالة السلسلة بقوله إن "مجرم كهذا محدود القدرات والتحصيل أتاحت له قرابته لحافظ الأسد التحكم بحياة الناس ونهب أموالهم وتدمير مستقبلهم. نظام مافيا يدمر سوريا منذ نصف قرن على مرأى من العالم. وفي جهنم مثوى للظالمين".

وعلى اعتبار أن السوريين يختزلون المقاولات وتعهدات البناء والطرق بشخص شاليش، ومشاريعه غير المكتملة أو سيئة التنفيذ بفعل الفساد، فقد حمل جزء من تهكماتهم في وسائل التواصل الاجتماعي على خبر الوفاة ما يرتبط بهذا الجانب، من قبيل "لروحه قلاب بحص" و "لروحه تزفيت الشارع" و"صهريج قير" و"تركسات من اللعنات".

ويمثل شاليش نموذجاً للصفاقة التي يتعامل بها رموز النظام مع الدولة التي ينظرون إليها على أنها مزرعة خاصة، إذ لطالما تعامل شاليش في هذا المجال كلص مكشوف دون الحاجة إلى الإحساس بوجود قانون. بينما عرفه أبناء المنطقة الشرقية على مدى عقدين قبل الثورة من خلال فساده الفج والعلني، عبر الاستحواذ على أعمال الشركة العامة للطرق والجسور "رودكو" ومؤسسات "الخدمات الفنية"، حتى وصلت بأحد المدراء السابقين لمديرية الخدمات الفنية بدير الزور أن أطلق على ولده اسم "ذو الهمة" لكسب المزيد من الحظوة والدعم من زعيم المؤسسة الفعلي.