في الرقة بعد الحرب.. آلاف الجرحى بإصابات دائمة وبلا معين

مشفى في الرقة - من موقع أطباء بلا حدود

ما تزال مدينة الرقة تئن بآلام مصابيها وجثث ضحاياها الذين دفعوا فاتورة إخراج تنظيم داعش منها عبر أجسادهم. وحتى اللحظة أحصت مؤسسات محلية نحو 2505 جثة لمدنيين سقطوا جراء المعارك بين تنظيم داعش و"قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من التحالف الدولي، بينها 1988 جثة مجهولة الهوية، بينما لاتوجد إحصائية دقيقة لعدد الإصابات التي تجاوزت عدة آلاف.

رغم هذه الأرقام الصادمة، إلا أن سوء الأوضاع الطبية في المدينة يزيد من معاناة أهلها، حيث تعمل ثلاث منظمات طبية فقط (أطباء بلاحدود- سيريا ريليف- يو بي بي الايطالية)، وتقدم المنظمات الثلاثة خدمات طبية تتمثل في الرعاية الصحية والعلاج للأمراض وتجهيز بعض المشافي وافتتاح مستوصفات مجانية وتقديم لقاحات وخدمات أساسية، بينما تغيب عن برنامجها في الرقة خدمات رعاية الجرحى ومعالجتهم وتقديم خدمات طبية نوعية لهم.

فتعمل منظمة أطباء بلا حدود في المدينة على تقديم خدمات أساسية، عبر عيادات خدمات صحية وخدمات الصحة الأولية للنساء، (أعلنت المنظمة وقف أعمالها ابتداءً من آخر الشهر الجاري)، وقد افتتحت عياداتها قبل نحو أربعة أشهر فقط. بينما تعمل منظمة سيريا ريليف على تجهيز بعض المشافي في الرقة، كإعادة تأهيل مشفى التوليد في المدينة، ومحاولة إعادة تأهيل مشفى الرقة الوطني، الذي مازال حتى اللحظة غير صالح وغير مؤهل. وتقدم منظمة يو بي بي الإيطالية خدماتها للنساء والولادات والرعاية الصحية بالأطفال حديثي الولادة.

اقتصار عمل هذه المنظمات الطبية في المدينة، التي باتت تحوي نحو 200 ألف مدني، على هذه الخدمات وعدم قدرتها على تقديم خدمات أخرى- يراه أهالي المدينة عائقاً كبيراً في طريق استقرارهم في مدينتهم المدمرة. يقول عبدالعزيز المطر (طبيب يعمل في الرقة)، "إن مدينة الرقة تمرّ بكارثة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالمدينة بحاجة لكل مؤسسة ومنظمة حكومة أو غير حكومية لمساعدة أهالي المدينة، خاصة في تركيب الأطراف وغسيل الكلى، فالوضع الصحي -باختصار- سيء لأعلى درجات السوء، فالمدينة تعاني من انتشار الأوبئة وانتشار الحشرات والجرذان والروائح نتيجة وجود الجثث تحت الأنقاض".

"كل الحالات التي جاءتنا كانت قد التقت منظمات إنسانية وطبية تعمل في الرقة، إلا أنها فقط قامت بتصوير الحالات وذهبت ولم تعد لعلاجهم" يتابع عبد العزيز المطر؛ ونتيجة للوضع الطبي السيء أنشأ الطبيب عبد العزيز وفراس ممدوح الفهد وموفق ديب "فريق صناع الأمل التطوعي" بهدف تشكيل فريق إنساني تطوعي وتنسيق العمل، مستهدفين الحالات الحرجة، وخاصة حالات الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة؛ والمؤسسون أطباء وعاملون  في الشأن الإنساني في مدينة الرقة بعد انسحاب تنظيم داعش منها وسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" عليها.

أحصى "فريق صناع الأمل" أكثر من 130 حالة تم توثيقها في مدينة الرقة، وهي حالات بتر أطراف لمدنيين نتيجة الألغام والقصف، وبعد عمليات الإحصاء وتقديم المساعدة لأحد الأطفال المصابين، وسّع الفريق عمله، وضمّ عدداً من المتطوعين، وتبرّع عدد من الأطباء في مساعدة الحالات التي تصلهم ويمكنهم مساعدتها.

انتشار اسم الفريق على وسائل التواصل الاجتماعي جلب لهم مئات الحالات المأساوية من الرقة وريفها، منها حالات جاء أصحابها إلى مكاتب الأعضاء، ومنها من ذهب أعضاء الفريق لمساعدتهم. "كل حالة منهم أسوء من التي تليها" بحسب ما يقول فراس ممدوح الفهد، أحد أعضاء الفريق الذين أكدوا على عدم وجود أي دعم لهم إطلاقاً، فعملهم "مجهود شخصي وتكاتف من عدة أشخاص"، والحالات التي قاموا بمساعدتها هي حالات تعدّ على أصابع اليد، بينما هناك نحو 1300 حالة إصابة دائمة أو عجز أو بتر، وثّق منها الفريق 130 حالة فقط.

لا يقتصر عمل الفريق على تأمين الأطراف الصناعية للمصابين،  بل بعد تعاون عدد من الأطباء من أهالي الرقة معهم، بدأوا بإنجاز عملية تجميلية، بحسب الإمكانية المتاحة للمصابين بحالات تشوه نتيجة الألغام أو القصف السابق على المدينة، كما هناك جانب آخر يعمل عليه الفريق، وهو تأمين العلاج الدوائي -وليس الكيماوي- لمرضى السرطان بشكل مجاني لمن هم دون الـ20 عاماً.

وقدرت منظمة الصحة العالمية واللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (OHCHR) التابعة للأمم المتحدة، أن "هناك 30 ألف مصاب كل شهر بسبب الحرب في سوريا، بعد أن خلفت مليون ونصف المليون مصاب بإعاقة دائمة، من أصل 3 ملايين شخص أصيبوا منذ العام 2011" في تقريرها الصادر نهاية العام الفائت 2017.