عين على النازحين في الساحل السوري.. أفواه تأكل منتجاتهم وعيون تطردهم

لم تصدر، خلال السنوات الماضية، أرقام دقيقة عن عدد النازحين من المدن والأرياف السورية إلى الساحل. ومن وقت إلى آخر ترفع الشائعات أعداد النازحين؛ وما إن يواجه البعض في مدينة اللاذقية أو جبلة أو طرطوس عدداً من النازحين، إلا ويحكم أنهم أكثر من السكان «الأصليين» في هذه المدن.

قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقرير خاص صدر في شهر تموز 2014، إن عدد النازحين السوريين في مدن الساحل يصل إلى مليون نازح، أي ارتفعت نسبة سكان طرطوس واللاذقية 50% عما كانت عليها، فيما تذهب فعاليات محلية للقول إن العدد أكبر من ذلك، وبغض النظر عن الحقيقة، يبدو أن المسلّم به أن هناك عدد لا يستهان به من النازحين يعيشون في المدن الرئيسية في الساحل، وتخضع حياتهم لقوانين وظروف تختلف عما يقاسيه النازح في مناطق أخرى.

يقول عبد الكريم، وهو نازح من ريف حلب اضطر مع أهله للنزوح إلى اللاذقية قبل (5) سنوات، إنهم كنازحين مكروهون عموماً من السكان. ويسمع في الفرن الذي يعمل فيه الشتائم مبطنة بأنه إرهابي، واتهامات لنا بتدمير مدننا و جئنا نريد تدمير اللاذقية.

تضاعف بدل إيجارات البيوت والمحلات التجارية شهراً بعد شهر. الاقتحامات والتفتيش بات أمراً يومياً يعانيه النازحون في الساحل. اتهامهم بالتورط في أية مشكلة بات عنواناً لحياتهم اليومية.. هم المسؤولون عن «الفلتان الأمني، تجارة الممنوعات، الأزمة الاقتصادية، ضعف السياحة، التردي الخدمي، الازدحام، الأمراض السارية» يقول عبد الكريم، خريج كلية الآداب، الذي يريد أن يترك «ليعيش بسلام فقط»

النازحون بعد السيطرة على مدنهم

«تحررت حلب ليش ما بترجع؟»، سؤال يتعرض له عزو الحلبي الذي يعيش في طرطوس ويعمل في كشك بيع دخان بالقرب من كراج البولمان، فيجيب عادةً: «بيتي مدمر» أو «طمعان بكرمكون».

يشتري المحامي علاء مروان دخانه يومياً من كشك عزو في طريقه إلى مكتبه، ويسأله عن وضعه وسكنه وعائلته، ليسمع كل يوم مصيبة جديدة تتعرض لها عائلة اليافع الذي لم يتجاوز الخامسة عشره من عمره. فيقول المحامي لعين المدينة: «مكروهون ولو أشعلوا أصابعهم لسكان طرطوس، ولكل الساحل. لن يحبهم أحد. هم بنظر الجميع إرهابيون ساهموا بتدمير البلاد، وجاؤوا بوجوه فقيرة كاذبة إلى هنا. قليلون جداً هم المتعاطفون مع مآسيهم. يهربون من محلاتهم ومواقع عملهم كلما خرجت جنازة مقاتل في الجيش السوري، فقد يتعرض لهم أحد المشاركين بها أو أحد المارة، ويحملهم مسؤولية موته».

يضيف مروان: «يعملون ليل نهار. أغلبهم فقراء. لكن بعضهم استطاع النجاة بشيء من ماله لينشئ مشروعاً صغيراً في الساحل المعروف بضعف مهنه، وانغلاقه على ثقافات المدن الأخرى، ينجحون كثيراً فيما يقبلون عليه، وخاصة في تأسيس المطاعم.. الجميع يعرف أن ما يطهونه هو أجود وألذ ما يقدم من طعام في الساحل فأغلب السكان يأكلون من مطاعمهم؛ رغم حرصهم الشديد على أهمية عودتهم إلى مدنهم خاصة بعد سيطرة النظام عليها، فما يستلذون به من طعام وخدمات يقدمها النازحون، لا يوازي خوف المجتمع المحلي منهم وكرهه لهم، بل وينتقدون السلطات المحلية من محافظة وبلديات ومؤسسات أمنية، كيف لا تجبرهم على العودة! وتملأ الباصات بهم ليعودوا إلى مدنهم، الباصات الخضراء نفسها».

يقر مروان بأن هنالك فئة مستفيدة من وجودهم تصر على بقائهم بطريقة غير مباشرة، فهم يدفعون بدلات إيجار مرتفعة لم تكن موجودة في الساحل قبل الثورة، كما أن بعض معامل الأغنياء منهم «وهم قلة» أمنت فرص عمل للكثيرين، وباتت تنتج في الساحل ما كان ينتج في حلب وحماه. «هو استغلال ذو وجهين، استغلال فقرهم وعوزهم وضعفهم للتسلط عليهم وشتمهم ومحاسبتهم بطرق لا قانونية، واستغلال حرفية بعضهم وإمكاناته المادية المتوسطة، لتنشيط الحركة التجارية والصناعية في المدن التي يعيش أغلبية سكانها بين موظفين ومتطوعين في الأمن والجيش».

«لم يلجأ إلى الساحل السوري كبار التجار والمستثمرين في المدن الكبرى، فقد تمكن أولئك من مغادرة البلاد وفتح مشاريعهم خارج حدودها، إنما كانت الغلبة هنا للفقراء الذي يلاقون ذلاً لا يختلف عن ذل نازحي المخيمات في لبنان، بل ويزيد عليه، إنما ليس لدى الكاميرات الجرأة لتتعقب حياتهم اليومية كمل يجري في لبنان أو تركيا أو الأردن.. قدرهم أنهم نزحوا إلى كارهيهم» يختتم المحامي.