على وقع الشائعات.. رعب في أوساط الأهالي والنازحين في مناطق (قسد) من عودة النظام

أسرى مدنيون من ريف دير الزور الغربي- وقعوا بقبضة ميليشيا سرايا العرين قبل أن تعدم اثنين منهم

سبّبت الشائعات التي تقول بعودة قريبة للنظام إلى المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" في دير الزور، معاناة جديدة للنازحين ولأهالي هذه المناطق. يفصح بعضهم عن هواجسه المخيفة ونواياه بالفرار مجدداً من النظام، ويصمت البعض، فيما يكذّب آخرون هذه الشائعات مؤكدين أن "أمريكا لن تسمح بذلك".

لكنها سمحت بعودته إلى درعا والغوطة والقلمون وحلب و"خط الشامية" و(إدلب على الطريق)، كما يقول اليائسون من الموقف الأمريكي في أوساط النازحين والأهالي ف"العالم، كل العالم واقف مع النظام، وكل الحكي اللي حكوه كذب بكذب": عداء الأمريكيين لإيران كذب، عداء إسرائيل لإيران كذب، والحقيقة الوحيدة هي أن الجميع "ضدنا إحنا وبس" وفق ما يجزم معلّم مدرسة سابق، كان في جملة من حملوا أغصان زيتون في مظاهرات العام 2011 حينما كانوا "واثقين انه لسا بهالدنيا شوية خير وحق ومساعدة للمظلوم"، كما يقول المعلم في الجمع الصغير الذي استضافه في عصر متأخّر، تحرّك فيه هبّات هواء ساخنة بطانيات تحولت إلى ستائر على الشبابيك، في منزل النزوح المستأجر على أطراف بلدة الكسرة غرب دير الزور.

مع مرور الوقت، انتقلت الجلسة من الغرفة إلى حصير في الباحة الترابية الصغيرة التي يحيط بها سور واطئ من "البلوك" المتهدم، أشار المعلّم إلى كوم من عبوات المياه الفارغة والملآنة "عطشانين وجوعانين ومرضانين، بس قدرانين نتحمّل، ونتحمّل كل شي، بس انه ما يرجع النظام ويحكمنا من جديد".

فقد هذا المعلّم ابنه بغارة لطيران النظام على مدينة الميادين، محطة النزوح التي أقام فيها مدة عامين بعد خروجه من بيته في مدينة دير الزور، وتعرّض هو ذاته في العام 2012 للاعتقال مدة شهرين، أُرسل فيها من سجن المخابرات العسكرية في دير الزور إلى سجونها في دمشق، قبل أن يطلَق سراحه هناك، وما يزال يتذكر نبرة جامع جامع (رئيس فرع المخابرات بدير الزور سابقاً) المتغطرسة "لحم كتافكم من خير حافظ الأسد يا كلاب، وراح تظلو تحت صبابيطنا للأبد". حينها لم يقمْ وزناً لنبوءة ضابط المخابرات، لكنه يخشاها اليوم بالفعل، ولهذا بدأ استعداداته لاستئناف رحلة النزوح، إلى مناطق درع الفرات، حسب ما يقول.

حسب تقديرات، يبلغ عدد السكان في المنطقة الخاضعة لسيطرة "قسد" في دير الزور (600-800) ألف نسمة، ينقسمون إلى فئتين: النازحون من مناطق سيطرة النظام، وأهالي المنطقة الأصليون. وتبدي الأكثرية لدى الفئتين رفضها العيش تحت سلطة النظام لأسباب متقاطعة عدة تجعل منه الشرّ المطلق، فهو وحشي وفاسد وطائفي، ومفلس فوق هذا، بما يُعجزه حتى عن إعادة جزء ضئيل من شروط الحياة الطبيعية لمن يحكمهم. وترسّخ الأنباء القادمة من الضفة الأخرى -عن استباحة كاملة للأمن والميليشيات بأنواعها، والسرقة والنهب والدعارة  والخراب- هذا الرفض.

يقول موسى سائق سيارة الأجرة، إنه لا يجد سبباً واحداً يجعله يرضى بالنظام مجدداً. فهو -وإن كان حيادياً وغير مهتم ب"منو اللي يحكم"- لم يستطيع إطعام أطفاله، وقد جرب العيش أشهراً عدة هناك، وكاد "يشحذ" من البطالة، فتدبّر أمره وجاء إلى هنا ليعثر على عمل يكفيه، إلى جانب مساعدات مالية متفرقة تصله بين حين وآخر من أقارب وأصدقاء في الخارج.

كان للنفي المتردد من قادة "قسد" لأنباء/ شائعات عن اتفاقيات تسليمها مناطق للنظام، دور في تعميق مخاوف الناس، وكذلك فعلت تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب بسحب قواته من سوريا، وإن كان هذا لدى من ما زالوا يحرصون على تلقّط الأخبار عبر القنوات الفضائية والإنترنت. وفي الدوائر الاجتماعية الضيقة لدى النازحين والأهالي، يأتي الرعب الأكبر مما تبثه شخصيات من هذه الدوائر، أو خلايا أمنية تابعة للنظام، من أخبار تساهم بأشدّ من غيرها في تحطيم "معنويات الناس"، مع توجّه فلان من المطلوبين لإجراء تسوية في دير الزور، ونداءات فلان الآخر وسيط النظام لأقاربه للعودة بضمانات، بعد أن "انتهى كل شي" و"لإيمت راح تظلون نازحين"، حسب ما تنقل رسائل صوتية لوسطاء النظام وسماسرته في كل مجتمع محلي.

أعداد قليلة جداً من الأهالي ومن النازحين في مناطق سيطرة "قسد" تصغي للسماسرة، وتبدي -وإن بتردد- ثقتها بضماناتهم، متجاهلين اعتقال النظام وابتزازه لمن صدّق هؤلاء ورجع إلى مناطق سيطرته.