من صفحة سجن عدرا على الفيسبوك للمركز الثقافي الذي افتتحه النظام في السجن

يرمز "عدرا" لدى السوريين عبر تشبيهه بالفندق، إلى البرزخ الذي يفصل سجنين في عالمين متوازيين لكل منهما منطق خاص، أحدهما ينتمي إلى الفقد في السجون الأمنية والآخر إلى الوجود في الحياة السورية، رغم أن المصائر اللا معقولة في كل منهما تطبع الثاني بطابعها. أما سجن عدرا الذي يشكل لحظة انتظار أو طقس عبور بين العالمين، بكونه "سجناً مدنياً" يتبع لوزارة الداخلية ويقرب السجين فيه من ذويه، فله منطق خاص كذلك، يعيش ضمن نطاقه السجين وسط اكتظاظ يحاول السجانون ضبطه بكل الطرق.

في سجن دمشق المركزي المعروف بسجن عدرا، كان علي (أحد سجنائه السابقين) يستغرب "تصرفات" بعض النزلاء ويعتبرها "ضرباً من الجنون أو الانفصال عن الواقع"، حين يرى سجيناً يخوض شجاراً مع آخر بسبب "أغنية معروضة على شاشة التلفزيون في الغرفة"، وهو عراك قد يؤدي إلى العقوبة بالمنفردة.

علي الذي قد قضى سبع سنوات في عدرا، كان قد تمكن من الحصول على وظيفة في أحد مرافق السجن التابعة لجمعية رعاية المساجين، مقابل تلقيه راتباً يبلغ ٥ آلاف ليرة شهرياً، لكن الهدف من ذلك لم يكن النقود، إنما "الابتعاد عن مشاكل السجناء".

 يحوي سجن دمشق المركزي (عدرا) نحو ١٥ ألف شخص، بينهم ١٢٥٠٠ سجينٍ وموقوف من الرجال، و١١٠٠ في القسم المخصص للنساء. أما عدد عناصر الشرطة من ضباط وصف ضباط وأفراد من إدارة السجون وعمال وموظفي جمعية رعاية المساجين، فيبلغ ١٤٠٠ شخصٍ، ما يجعل من الممكن اعتبار السجن بذلك بلدة بحد ذاتها.

ويضم السجن ١٣ جناحاً، بينهم جناح مخصص لـ"المعاقبين"، وآخر للمخدرات، وجناح للأحداث دون سن الـ١٥، وجناح للسلفيين (عددهم لا يتجاوز ٢٥ شخصاً)، كما يضم جناحاً صغيراً لـ"المخنثين". أما الغرف فتحوي كل واحدة على عدد يقارب الـ١٠٠ شخص، وصل إلى النصف تقريباً بعد مرسوم "العفو" الأخير الذي أصدره بشار الأسد في العام ٢٠٢٠، لكن الأمر لم يطل حتى عادت الغرف والأجنحة تأخذ طابع الازدحام من جديد.

بقول علي: "لكل جناح مشرف من ضباط السجن عُيِّن من قبل مدير السجن، وعلى باب كل جناح مفرزة من عناصر الشرطة العاملين في السجن، وفي كل غرفة رئيس يسميه مشرف الجناح ويكون مسؤولاً أمامه عن كل ما يحدث في الغرفة"، والأهم من ذلك كله جواسيس الإدارة ومفرزة الأمن الموجودون بين السجناء لتقفي الأخبار الهامة أو "التصرفات غير العادية مثل اللواطة والسرقات.."

أما محمد، وهو من نزلاء عدرا شبه الدائمين، فهو لا يكاد يخرج من السجن حتى يعود إليه بسبب امتهانه التزوير والاحتيال، فيعتبر أن السجين إذا امتلك الأموال يصير كـ"الملك" هناك، ويتلقى من خلال دفع الرشاوى لضباط السجن معاملة مميزة في الخروج من الجناح والتنقل في السجن دون تشديدات وتعقيدات الحصول على الموافقات.

من جانبه يعتبر أكثم وهو سجين قديم في عدرا، كان قد احتجز بين العامين ٢٠٠٦ و٢٠١٠، ثم قضى ٨ سنوات هناك بعد الثورة، أن السجن لم يكن يشهد تشديداً بهذا القدر قبل استعصاء نفَّذه سجين من آل الأسد عام ٢٠٠٧، حين كان يُسمح للسجناء حيازة أجهزة الخليوي، وإدخال أطعمة ومشروبات من خارج السجن. كما أن اندلاع الثورة في سوريا زاد من تلك التشديدات، خاصة وأن عدد النزلاء اليوم من المحكومين والمتهمين بقضايا "إرهاب" يصل إلى ٧٠ في المائة من العدد الكلي للنزلاء.. دون أن يخلو الأمر من قلّة يحملون "جوالات على المعس" في السجن، وهو مصطلح يعني إخفاء أجهزة الخليوي دون علم أحد بوجودها.

أحمد، وهو نزيل خرج حديثاً من عدرا، يقول إن طعام السجين قد تحسن نسبياً بين إدارتين متعاقبتين،
حيث تولى العميد عبدو يوسف كرم (من مسيحيي حمص) إدارة السجن عام ٢٠١٨، وهو بشهادة السجناء شخص "نزيه نسبياً"، فقد "ازدادت حصص الطعام التي توزع على المساجين من الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، وتحسن واقع الكهرباء من حيث مخصصات المازوت لمولدات الديزل التي تعمل في حال انقطاع التيار الكهربائي"، بحسب أحمد.

يشرح رامي القادم من سجن صيدنايا، المراحل التي يمر بها المعتقلون المحولون من الفروع الأمنية أو من صيدنايا إلى عدرا بقوله، إن الموقوف "يتم عرضه فوراً على قسم الطبابة لإجراء فحوصات شاملة وتصاوير وتحاليل للتأكد من عدم وجود مشاكل صحية، وهؤلاء يتم حرق ملابسهم فوراً وإعطاؤهم ملابس مستعملة من السجناء لأن ملابسهم تكون مليئة بقمل الملابس، وأحياناً يتم عزلهم في غرف عزل خاصة لإصابتهم بالجرب أو السل إلى حين شفائهم“. كما يتم أخذ تعهد من الموقوف، بأن إدارة السجن "غير مسؤولة عن تدهور حالته الصحية أو وفاته، وقد يتم نقل بعض الموقوفين إلى مستشفى ابن النفيس أو مستشفى الشرطة".