ضباط الأسد يلجؤون إلى المشعوِذات لحماية مكاسبهم في المناصب والأموال

تتباهى ماريا، أو هكذا تسمي نفسها، بأن زبائنها من عِلية القوم والنّافذين في البلد، وبينهم من لا يُقدم على أي عمل دون استشارتها بقراءة الطالع واستقراء الخير أو الشر في ما يروم القيام به. يصعب تحديد دين أو طائفة هذه المرأة التي قاربت الخمسين عاماً، وتُعدّ اليوم واحدة من أشهر بصّارات دمشق.

تزعم ماريا أنها درست الفلك في النجف والقاهرة وتلقّت علومه على يد أكبر شيوخ هذا الكار من السنة والشيعة، زبائنُها الضباط، وجميعهم من الطائفة العلوية، حسب قولها، يتواصلون معها مباشرةً أو عن طريق زوجاتهم وبصورة مستمرة. لا يأتون إليها مثل زبائنها العاديين، بل يُرسلون سياراتهم لاصطحابها إلى المنزل، حيث يشربون القهوة التي سترى فيها ماريا ما تُخبئه الأيام لهم. وريثما ينتهون من شرب القهوة، لا تُضيع ماريا وقتهم الثمين، حيث تطلب منهم أن يفتحوا صفحة بشكل عشوائي في كتاب تحمله معها أينما ذهبت، وفي تلك الصفحة تقرأ بطريقة مشابهة لقراءة الفنجان، وبأسلوبها الخاص تربط بين محتوى الصفحة وحياتهم، فتُطمئنهم أو تُحذّرهم، وتُسدي لهم النصح بالمبادرة أو التريّث في الأعمال التي تنتظر قيامهم بها، والأهم أنها تسألهم عن أشخاص بأسمائهم أو بصفاتهم، وأرقام قد تعني لهم شيئاً.

تتابع على نفس المنوال في فنجان القهوة، فتجيب عن الأسئلة التي يتحرقون للإجابة عنها حول مواضيع منها: الاستقرار الوظيفي ورضا أرباب عملهم ورؤسائهم عنهم، والأمور العملية والاجتماعية من حلٍّ وترحال وعلاقات وارتباطات، ومشاكل تكون حاضرة دائماً، فهي في الغالب ما يدفعهم لطلب المعونة بكل الطرق الممكنة. تنتهي الجلسة بحلول روحانية مُقترحة لحل المشاكل وزيادة الحظ والوقاية من الشر.. وهلم جراً، فلديها حجُب وتعويذات منوط بها أن تجلب الخير وتدفع الأذى.

وحسب رأيها، يكمن الدافع الأساسي لاعتماد الكبار عليها في الخوف، وكلما علَت الرتبة زادت المخاوف وتعددت أشكالها، ولا يدخل في هواجس زبائنها الضباط ما يثلم ولاءهم المطلق للنظام، فلم يحدث أن استشارها ضابط بنيّة انشقاق أو عصيان، ولم تجد بالمقابل في تنبّؤاتها ما يُشير لذلك، فما يؤرقهم هو سلامتهم الشخصية أولاً، ومُكتسباتهم من مناصب وأموال، ويأتي الحلّ بأن يشتروا، وتشتري زوجاتهم، خواتم وحُجُب تبيعها ماريا للحماية من الأخطار، لا يقلّ سعر أي منها عن خمسين ألف ليرة سورية، تزيد قوتها بزيادة سعرها، فخاتم الحماية من الحسد الذي ترتديه ماريا يزيد سعره عن ألف دولار، حسب زعمها.

تلبي ماريا تلك الدعوات في أي وقت دون تذمّر، فإضافة إلى تأمين الحماية لها من أي مساءلة قانونية، أو حتى منافسة أو مضايقة الآخرين، فهؤلاء الضباط وزوجاتهم يدفعون لها بسخاء من جهة، ومن جهة أخرى تخاف منهم ومن عواقب رفض التعامل مع أي منهم، حتى أنها طوّرت أساليب خاصة بزبائنها من الجيش بغية امتصاص غضبهم، فلا تقول لهم مثلاً إنهم سيفشلون في عمل ما، بل تقول إن العصبية الزائدة ربما تحرمهم من الانتفاع من أمر معين، ولا تقول إن هناك من يستحق المنصب أكثر منهم، بل إن سوء التدبير حالَ بين المنصب وبينهم.

خواتم ماريا تشتريها من أسفارها إلى الدّول المجاورة، وتدّعي أن لكل منها قوى اختزنها بعد تلاوة شيوخ كبار لآيات معينة من القرآن عليها. تقوم كذلك بكتابة الحجب، وتتقاضى مبالغ كبيرة لا تقلّ عن خمسين ألف ليرة عن الحجاب الواحد، أما الكتاب الذي تحمله فصفحات متنوعة جزء كبير منها قاموس أوكسفورد، بالإضافة إلى صفحات من كتب مُتفرقة لا يجمع شيء بينها سوى ذلك الكتاب.

يسهل الوصول إلى ماريا، فهي تمارس مهنتها علناً في مقهى في جرمانا، وصالون حلاقة في دمشق. أمثال ماريا كثر، وقد حقق بعضهم شيئاً من الشهرة من خلال المشاركة في برامج الإذاعات وقنوات التلفزيون. أحد هؤلاء، وهو من الطائفة الدرزية، لا يستقبل إلا الزبائن الدروز، ولكنه قد يقبل التعامل مع غير الدروز إذا تم الأمر بوساطتهم، يُقدم الخدمات المعتادة من فلك وتنجيم بأسعار زهيدة، أو أي مبلغ تدفعه له، لكنه يطلب مبالغ كبيرة لقاء خدمات خاصة، مثل مسائل المُعتقلين في سجون النظام، إذ يعمل في حل هذه القضايا عن طريق السّحر والشعوذة ولكن عبر معارفه من الجيش والأفرع الأمنية!