سدّ الفرات.. الحلم الذي تحوّل إلى كابوس

الأبعاد الهندسية:
الطول: 4.5 كم
العرض عند القاعدة: 512 م
العرض في القمة: 19 م
الارتفاع عن أسفل القاعدة: 60 م
 

حلم عمر أميرالاي في فيلمه "دراسة عن سد الفرات" /1970/ أحلاماً كثيرة، عن بلادٍ سيسهم هذا السد في جعلها أفضل. وكان محقاً بعض الشيء، فحسنات هذا السد الذي بدأ الروس أو السوفييت وقتها ببنائه، قبل استيلاء حافظ الأسد على السلطة، بارزةٌ في حياة سكان وادي الفرات. ويأتي في مقدمتها توليد الكهرباء، ومشاريع الري، واستصلاح الأراضي، وتنظيم جريان المياه في سرير النهر. وحتماً لم يدُر في خلد أميرالاي، الذي كان يسارياً متحمساً آنذاك، أن السلطة الأسدية، التي اعتبرت هذا السد مفخرةً من مفاخرها الاقتصادية، هي ذاتها التي قد تقوم اليوم بتدميره، بقصفه بالطائرات، في سلوكٍ حربيٍ مجنونٍ لم يسجّل إلا مراتٍ قليلةٍ عبر التاريخ، في الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية بعدها.
ومن حسن الحظ أن مقاومة هذه المنشأة المائية العملاقة أعلى من القوة التدميرية لبراميل TNT التي باتت مألوفة في حياة السوريين، وخاصة عندما لا تصيب هذه البراميل أهدافها بدقة. غير أن هذه المقاومة لن تصمد كثيراً أمام القصف بهذه الطريقة، إن تكرر. فمن المحتمل أن تؤدّي هذه الانفجارات إلى خلخلةٍ في بنية التربة "ما تحت الأساس"، وبالتالي حدوث تسرّباتٍ غير محسوبة تصميمياً، وتخلخلٍ تدريجيٍ للتربة، كما يقول بعض المختصين. مما يعني، وبكل بساطةٍ، انهيار السد. ولن يكون هذا الانهيار، إن حدث، فجائياً. إذ ستظهر إنذاراتٌ مبكرةٌ تمكّن الموظفين في هذه المؤسسة من أخذ بعض الاحتياطات المخففة. ورغم ذلك فلن يكون أثر هذه الاحتياطات في النتائج الكارثيّة إلا أثراً ضئيلاً.
وبحسابٍ هندسيٍ بسيطٍ، يمكن تقدير الارتفاع المحتمل في منسوب المياه ما بعد الانهيار، انطلاقاً من السعة الإجمالية أو حجم المياه المحجوزة في البحيرة خلف السد، والتي تقدّر بحوالي (14) مليار متر مكعب؛ إذ ستغمر المياه مساحاتٍ كبيرةً من الأراضي على جانبي سرير النهر، بعرض (5) كم وطول (340) كم ـ حيث الحدود العراقية ـ وبارتفاع (8) أمتار.
مما يعني كارثةً كبرى وخسائر هائلةٍ في الأرواح والممتلكات، وتدميرٍ شبه كاملٍ للحياة الحضرية لمحافظتي الرقة ودير الزور. لكن هذا الاحتمال مغرقٌ في التشاؤم، وستكون الخسائر أقلّ حتماً، لأن هذه الطبقة المائية الهائلة لن تتشكل هكذا دفعة واحدة، وتثبت كأنها مكعبٌ جبليٌّ عملاق، بل بفيضانات متلاحقة وغير منتظمة. ولا شك أنها ستؤذي أكثر ما تؤذي سكان محافظة الرقة، وخاصةً الريف الممتد بين مدينتي الرقة والطبقة، ثم تخفّ الأضرار مع امتداد النهر وصولاً إلى الأراضي العراقية. ولكن هذه الأضرار، وعلى أية حال، ستكون مدمرة وكارثية.
وفي القصف الجويّ الذي حدث قبل أيامٍ لم تتضرّر البنية الإنشائية لجسم السد، بل أصيبت التجهيزات الميكانيكية والكهربائية في البوابة الثامنة بأضرارٍ بالغة، وفق ما صرّح أحد المهندسين العاملين فيه. وأضاف هذا المهندس أن إدارة السد كلفت غوّاصين لتفقد مقاطع الخرسانة في النقطة القريبة من مكان سقوط البرميل، ولم يلاحظ هؤلاء أي تغيّراتٍ تذكر على هذه المقاطع. وشدّد هذا المهندس على ضرورة الحيطة والحذر من تكرار عمليات القصف، والتي تؤدي إلى ضغوطاتٍ هائلةٍ على التربة، وتخلخلٍ محتملٍ فيها، مما يزيد نسبة التسرب المائي المثيرة للقلق في أعمال السدود. ولكن هذه الشهادات العلمية لم تساعد في طمأنة السكان الخائفين بما يكفي، وخاصة مع تهويلٍ إعلاميٍ وشائعاتٍ يطلقها على الأغلب سياسيون وناشطون دون أي معرفة أو اطّلاع.
رصد فيلم أميرالاي جوانب من مراحل الإنشاء، على الطريقة السوفييتية في صناعة مثل هذه الأفلام. وأبرز في دقائق قليلةٍ معاناة الفلاحين في القرية القريبة من موقع العمل، معاناة لم تنقطع حتماً بعد بنائه، بل اختلفت معطياتها وتغيّرت بتغيّر أحوال البلاد مع وقائع استبداد عائلة الأسد، لتصل اليوم إلى حدود الرعب من الموت غرقاً، وبمياه هذا السد.