زغاريد الحقد على أطراف دمشق

هل يمكن لزغاريد الفرح أن تتحوّل إلى زغاريد حقد؟ هذا ما فعلته الحرب ببعض السوريين الذين رأيناهم يحتفلون، ونساؤهم تزغرد من شرفات المنازل في ضواحي دمشق، كلما قام طيران النظام بدكّ بلداتٍ لا تفصلها عنهم سوى كيلومتراتٍ معدودة.

جرمانا إحدى مداخل الغوطة الشرقية، وتكاد تكون البلدة الوحيدة التي لم تتعرّض للتدمير والتهجير في المنطقة. غالبية سكانها من الدروز ونسبةٍ أقلّ من المسيحيين، قبل أن تكتظ بالنازحين السنّة من قرى الغوطة وبلداتها ومن مناطق سورية مختلفة. في جرمانا كانت الكثير من النسوة ترسلن أبناءهنّ سعيداتٍ إلى جبهات الموت، وتزغردن على الشرفات كلما سمعن صوت قنابل الطيران المدمرة وهي تنزل على رؤوس شركائهنّ في الوطن -كما يفترض- في يلدا وعقربا والمليحة وزبدين وجسرين، فيما كان رجالهنّ ينصبون الحواجز على مداخل البلدة ليذلوا وينكلوا بأبناء هذه المناطق الهاربين من الموت والجوع والحصار....

يروي أبو خالد، الرجل الستينيّ الذي لم يغادر بلدة سقبا في حياته الا ليتبضع مع عائلته من دمشق في المناسبات، عن نزوحه هو ومن تبقى من عائلته إلى جرمانا لإنقاذ من يمكن إنقاذه:

«بقينا في سقبا حتى نهاية عام 2012. كانت الحرب قد أصبحت شاملة، ووصل الجيش الحرّ الى مشارف دمشق، لكن القصف اليوميّ والحصار ومقتل ثلاثةٍ من أولادي (شابان وفتاة) دفعني إلى لملمة من تبقى من العائلة إلى جرمانا لأنها الأقرب إلينا ولنا فيها معارف وأصدقاء من أيام العمل في الأرض وبيع المحاصيل. لكن عناصر قوّات النظام على الحواجز أبقونا لأيامٍ حتى سمحوا لنا بالدخول، بعد أن أخذوا منا كل ما أخرجناه معنا من مصاغٍ وموبايلات. وصلنا إلى جرمانا أشبه بشحاذين لا نملك ثمن سندويشة فلافل. سكنّا مع عائلة أخي الأصغر التي خرجت قبلنا، حتى وجدتُ عملاً في منتزهٍ بمساعدة أهل الخير».

«ما يجرحنا ليس الفقر والتشرد والنزوح بقدر ما تجرحنا نظرات الناس إلينا هنا وكأننا يهود!! والفرحة التي يجاهرون بها أمامنا حين يسمعون عن مذبحةٍ في الغوطة أو حين يضرب الطيران بيوتنا وأرزاقنا. والله يفرّج...». بهذه العبارة التي أصبحت لازمةً سوريةً ينهي أبو خالد حديثه.

حيّ عش الورور مستوطنةٌ حقيقية، كما يقول أهالي برزة من جيران هذا الحيّ الفقير الذي يشكل العلويون النسبة العظمى من سكانه. يقول (خليل، ر) وهو من ناشطي حيّ برزة خلال الثورة السلمية:

«منذ المظاهرات الأولى للحيّ أخذ أهالي «العش» يهاجمونه، مزوّدين بالعصيّ والسكاكين والمسدسات والبنادق ليقمعونا -نحن السكان الأصليين- ويقتلونا، أو يجرّونا إلى فروع الأمن حيث الموت أرحم من البقاء. نحن جيرانٌ ونعرف بعضنا، لكنهم ضحوا بكلّ العشرة وانحازوا إلى الظالم وصاروا شركاء في الجريمة للأسف. كيف سنعود جيراناً مع الذين قتلوا أولادنا ونهبوا أرزاقنا وبيوتنا؟!».

في حيّ الميدان الدمشقيّ منطقةٌ صغيرةٌ تكاد تكون شارعاً واحداً تحاذي الحيّ، أسموها «حيّ الأسدّ، سكانها من أبناء الطائفة العلوية المهاجرين إلى العاصمة. يروي محمود، الفلسطينيّ السوريّ ابن مخيم اليرموك، ما فعله سكان هذا الشارع الصغير:

«كان هذا الحيّ هو المنجم الذي يخرج منه القتلة إلى شوارع الميدان والقدم والمخيم ليقمعوا المتظاهرين السلميين، ويسهموا في تحويل الثورة إلى مجموعاتٍ مسلحةٍ بدأت كحاجةٍ مشروعةٍ للدفاع عن النفس وعن الأحياء المعارضة ضد انتهاكات النظام وميليشياته، ثم تحولت إلى مشروعٍ طائفيٍّ موازٍ لطائفية النظام، ومموّلٍ من أطرافٍ إقليميةٍ ودوليةٍ يهمها إفشال الثورة السورية كمشروعٍ للتغيير وبناء دولة المواطنة والقانون».

في حيّ التضامن أيضاً، يضيف محمود: «كان لشبّيحة «شارع نسرين»، الذي تقطنه أغلبيةٌ علويةٌ تنحدر من قرية عين فيت في الجولان، دورٌ كبيرٌ في تحويل المظاهرات إلى مواجهاتٍ بين أبناء الحيّ نفسه، بمؤازرة قوات النظام ومخابراته لجماعة عين فيت. وكان يكفي أن يُلتقط شابٌّ من «حارة الديرية» أو من «حارة التركمان» أو من النازحين أو الفلسطينيين -المهم أنه سنّي- من حواجز شبيحة شارع نسرين حتى يجد العابرون جثته مرميةً في زقاقٍ من أزقة الحيّ».

أما حيّ المزة 86 فكان مخصصاً لتصدير الشبيحة إلى المعضّمية وداريا والمزّة... بينما تكفّل علويو مساكن الحرس وحيّ الورود غربيّ دمشق بقمع الحراك الشعبي فيّ قدسيا ودمر البلد والهامة...

وفي كلّ هذه الأحياء كانت زغاريد النسوة تلعلع كلما ضُرب حيٌّ مجاورٌ لطالما عملوا فيه وشاركوا أبناءه الخبز والملح...

ويتساءلون من أين اندلع العنف وازدهرت الطائفية؟؟

ويتحدثون عن العرعور والنصرة وداعش...

أليس هؤلاء هم الدواعش الأوائل؟!