رمضان في سوريا: في العراء على الحدود ودعوات للإفطار بين النازحين

الصور من أطمة ودير حسان بريف إدلب الشمالي - بعدسة االكاتب

بعد النزوح هرباً من قصف الطائرات المكثف، تحاول عائلة الحاج أسامة المكونة من ستة أشخاص عيش يومها الرمضاني كما اعتادت بمنزلها في حاس جنوبي إدلب، رغم افتراشها الأراضي الزراعية في محيط بلدة أطمة شماليها، فبمجرد أن يعلو صوت أذان المغرب حتى تتحلق العائلة حول وجبة رمضانية تضم الأرز والدجاج وبعض حبات التمر وكاسات اللبن قدمتها إحدى المنظمات الإنسانية كوجبة إفطار.

منذ ما قبل أيام من بداية شهر الخير والبركة ولمّ الأحباب عبر دعوات الإفطار والزيارات بعدها، بدأ تشرد وتفرق الأهل بعد قتل أقاربهم أو جيرانهم وتدمير منازلهم ومدارسهم وتلاشي الأحلام بقضاء أيام مباركة هادئة، مع الحملة الجوية التي بدأت نهاية نيسان على ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي. عشرات آلاف العوائل تهيم على وجهها في الشمال السوري، تتقاسم العراء وانتظار أذان المغرب لتنهي صيامها على ما يتسر لها من طعام في نزوحها. 

نزح الحاج أسامة وعائلته على عجل بعد تعرض الحي الذي يعيش فيه لغارة روسية أدت إلى مقتل إحدى النساء في الجوار. توقف الحاج بسنواته الخمسين التي أثقلها مرض السكري عن البحث عن بيت للإيجار في ريف إدلب الشمالي، بعد أن اصطدم بكثافة النزوح وغلاء الإيجارات التي وصلت إلى 300 دولار للمنزل في الشهر الواحد. يقول "بقينا أسبوعاً في المنزل رغم القصف، الذي كان يتركز على أطراف القرى، أملاً في انتهائه في وقت قريب، ولكن مع تحوله إلى مركز القرية والأماكن المزدحمة بالسكان اضطررنا للخروج بشكل سريع خشية استمرار الاستهداف، و لم نجد سوى الأراضي الزراعية منزلاً في أطمة". 

مئات العائلات تفترش الأراضي الزراعية قريباً من المكان الذي اختارته عائلة الحاج أسامة لتوقف ترحالها؛ امتلاء المخيمات وعدم وجود منازل فارغة في ريف إدلب الشمالي جعل "الحال واحدة"، يقول الحاج "معاناتنا الكبرى عدم وجود دورات مياه لقضاء الحاجة، وكذلك هناك نقص في الأغطية ومستلزمات النظافة والمواد الغذائية في هذه المنطقة".

وحسب المسؤول في تنسيقية الاستجابة العاجلة المهندس محمد حلاج أنه "بلغ إجمالي العائلات النازحة أكثر من 72011 عائلة، أي ما يقارب 458779 نسمة عدد النازحين من ريفي حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي ومنطقة جبل الزاوية باتجاه ريف إدلب الشمالي وريف حلب الشمالي، بفعل القصف المكثف الذي دمر قسماً كبيراً من القرى". وأضاف الحلاج في حديث خاص لعين المدينة أنه "بلغ عدد المدارس المدمرة خلال الحملة المتواصلة أكثر من 44 مدرسة ضمن المجمعات التربوية التابعة لمديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب، حيث تفاوت نسبة الأضرار بين 5 بالمائة والخروج الكلي عن الخدمة، بالإضافة إلى استهداف عدد من المساجد والأفران".

تروي أم عبد الله، وهي مهجرة من بلدة معرة الصين بريف إدلب الجنوبي في حملة القصف الجارية، ما عاينته من أثر غارات الطيران الحربي الروسي على وسط بلدتها، وما خلفته من مجزرة بحق جيرانها وتهدم أجزاء من منزلها، ما دعاها في نفس الليلة للنزوح مع عائلتها إلى الحدود التركية بحثاً عن الأمان، لكن دون أن تلمس الصعوبات حيث حلت في ريف إدلب الشمالي، تقول "أكثر الأشياء صعوبة هو بقاؤنا في حر الشمس لساعات طويلة بين الأشجار في ظل الصيام، وعدم وجود خدمات في المنطقة، كذلك المعاناة من برد الليل نتيجة عدم استقدامنا لأثاث المنزل بسبب دماره، وعدم وجود محلات تجارية قريبة من المنطقة من أجل شراء مستلزمات الفطور".

على أن شراء مستلزمات الفطور ليس باستطاعة جميع النازحين، فهناك أكثر من 80 بالمئة منهم يعيشون بالأساس تحت خط الفقر، حسب الباحث في الشؤون الاجتماعية فيصل السليم. يقول السليم "النازحون من القرى والمدن التي تعرضت للقصف لا يملكون قوت يومهم، حيث أن القسم الأكبر منهم يعيش على أجره اليومي، لذا فإن بقاءهم في العراء دون وجود مأوى لهم وتأمين مساعدات غذائية عاجلة سيعرض حياتهم للخطر".
وأوضح السليم أن" أغلب النقاط الطبية في ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي أصبحت خارج الخدمة، لذلك فإن أي حالة مرضية أو إصابة نتيجة القصف ستحتاج السفر إلى مشافٍ بعيدة، وهذا ما يعرض حياة المصابين للخطر في ظل الاستهداف الروسي للمشافي، الذي أخرج مؤخراً مشافي أورينت وشام في كفرنبل عن الخدمة، ومشفى نبض الحياة في بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي".

تعمل المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري على تقديم الخدمات للنازحين والمشردين في العراء قدر المستطاع للتخفيف من معاناتهم، لكن ضعف الإمكانيات وضخامة الأعداد جعلت الأمر يقتصر على تقديم بعض الوجبات الرمضانية والأغطية والمساعدات الغذائية للنازحين الذي يقطنون في العراء في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي.

فحجم النزوح الهائل الذي وصل إلى مئات الآلاف جعل المنظمات الإنسانية في حالة عجز عن تقديم المساعدات للنازحين، بسبب عدم وجود خطة مسبقة لهذا الكم من النزوح، كما يرى الناشط في المجال الإنساني محمد البدر، ويتابع "تم تقديم بعض المستلزمات البسيطة للنازحين في العراء، والذين يعدون أولوية نتيجة وضعهم المعيشي الصعب". وأضاف البدر أن "الأمر يحتاج إلى تدخل أممي فوري من أجل معالجة ملف النازحين، لأن حجم النزوح يفوق قدرات المنظمات العاملة على الأرض بريف إدلب، وهذا الامر يتطلب إدخال مساعدات عاجلة تضم الخيام والأغطية والمواد الغذائية لأن التأخر في هذا الأمر سيؤدي إلى حدوث كارثة إنسانية كبرى".

الصور من أطمة ودير حسان بريف إدلب الشمالي - بعدسة االكاتب

في الأثناء، ظهرت دعوات عديدة من قبل النازحين في الشمال السوري لالتماس عذر شرعي لهم في الإفطار في شهر رمضان، بسبب صعوبة تحمل الصيام في الطقس الحار في العراء، وعدم وجود خدمات أساسية بما فيها الماء الصالح للشرب.

محمد الحمود أحد النازحين من قرية الحويز في سهل الغاب، كان يعمل مزارعاً في بلدته قبل نزوحه بسبب القصف المكثف عليها، يفترش مع عائلته الأرض في منطقة دير حسان بريف إدلب الشمالي، بعد عجزهم عن تأمين مأوى لهم. قطع العائلة في اليوم الأول للنزوح أربع ساعات متواصلة حتى وصلت إلى المنطقة، وساعات أخرى وسط الجو الحار حتى وجدت مكاناً تضع فيه ما اصطحبته معها من أثاث وفرش المنزل. يقول محمد "الأمر الأصعب الذي نعاني منه هو الصيام لساعات طويلة دون وجود مياه باردة ولا حتى خيمة تقي الحر الشديد، وكذلك بعد المسافات عن المحال التجارية في المنطقة. أثناء مجيئنا أفطرنا بسبب السفر، ولكننا الآن لم نجد عالماً يطلق فتوى شرعية تبيح إفطار النازحين في ظل هذه الأوقات الصعبة التي تمر بهم، وعدم قدرتهم على إيجاد المأوى أو حتى تأمين المواد الغذائية من أجل تحضير وجبة للإفطار".

من جهته يقول أبو شاكر الشاكر وهو إمام مسجد يحمل ماجستير في الشريعة الإسلامية، "في هذه الحالة التي تعتبر نازلة لا إرادية، ومع النزوح هناك مشقة بالغة، والله يقول (الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). فصاحب الأمر (النازح) هو الذي يقرر؛ فإذا كان في الأمر مشقة وإجهاد فيجب أن يفطر". وأضاف الشاكر أن "هذا الأمر ينطبق على مرحلة قبل الاستقرار، فبمجرد ما استقر النازح ووجد مأوى من خيمة أو منزل، وزالت الحاجة للإفطار كالإجهاد والتعب، ولا ضرورة ملحة تجبره على الإفطار من تعب ومشقة، فيجب عليه الصيام".

كل ذلك في وقت تشن القوات الروسية فيه بمشاركة ميليشيات متعددة على الأرض حملة عسكرية على ريف حماة الشمالي وسهل الغاب، فاستطاعت السيطرة على مواقع عدة منها كفرنبودة وقلعة المضيق في حين أنها تواصل معارك الكر والفر مع الفصائل في سهل الغاب