درعا بعد سيطرة النظام.. قطاعات أمنية وتوزع لحزب الله وكوادر بعثية

متداولة لقوات النظام وآليات روسية أثناء التهجير

يبدو أن النظام يحاول استغلال الفرصة لإعادة بناء القدرات البشرية لقواته مجدداً بحجة محاربة (الإرهاب)، في وقت لا يمكن التعويل فيه على الشرطة العسكرية الروسية لتحول دون أي عمليات انتقامية من قبل قواته، وحماية الأهالي من أعمال النهب والاعتقالات العشوائية، فمنذ اللحظات الأولى لسيطرته على درعا، عمل النظام على تقسيم كل منطقة إلى قطاعات، وأوكل حكم كل قطاع إلى فرع أمن، للإمساك بملفات أوضاع المطلوبين من المدنيين وعناصر الفصائل العسكرية والإدارة.

دخل النظام إلى قرى وبلدات محافظة درعا، بالاستعانة بروسيا وإيران وميليشيا حزب الله اللبناني، واستغلال الانقسامات الداخلية والإيديولوجية لفصائل المعارضة؛ حيث شنّت قوات النظام هجوماً على الجنوب السوري في حزيران 2018، من منطقة اللجاة شرقي المحافظة والتي تضم أكثر من 50 قرية، سيطرت عليها عقب أيام من بدء الهجمة العسكرية.

وقعت الفصائل العسكرية في المنطقة، وعلى رأسها (شباب السنة) في مدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي، أول اتفاق، وذلك بعد أن سيطر النظام على بلدة بصرى الحرير وعدد من البلدات المحيطة بها، وكان من أهم شروط الاتفاق عدم اعتقال أي شخص وإعطاء مهلة ستة أشهر للمتخلفين والمنشقين. بعد ذلك بدأت تتوالى اتفاقات المصالحة، وحاولت المعارضة العسكرية والمدنية في مدينتي نوى والحارة بالريف الغربي انتزاع اتفاق مع روسيا والنظام بشروط أفضل مما جرى في الريف الشرقي ودرعا المدينة وبلدات أخرى غرباً، إذ انتهت المفاوضات بالاتفاق على تجريد المعارضة من الأسلحة الثقيلة والسماح لمن يرغبون في البقاء بعقد تسوية، ونقل من لا يريد إلى الشمال.

وعلى الرغم من ضمان الروس لاتفاقات المصالحة، إلا أن أجهزة النظام الطائفية لم تتوقف عن ارتكاب التجاوزات بحق المدنيين؛ مع الأخذ بعين الاعتبار، أن أغلب من اختاروا البقاء في المحافظة، وخاصة العائلات منهم، لم يكونوا يملكون خيارات، ولم يتمكنوا من الخروج إلى الشمال بسبب التكلفة المادية الكبيرة للمعيشة، أو الدخول عن طريق التهريب إلى تركيا. ويثبت صمت (الضامن) الروسي عن تجاوزات النظام، أن روسيا لن تضمن الاتفاق لمدة طويلة، مما يجعل مخاوف الأهالي من الاعتقال وعمليات الانتقام أمراً مبرراً.

تقسيم المحافظة إلى قطاعات

عمل النظام بعد دخوله مدن وبلدات محافظة درعا على تقسيم كل منطقة إلى قطاعات، وأوكل حكم كل قطاع إلى أحد أفرع الأمن للإمساك بملفات أوضاع المطلوبين من المدنيين وعناصر الفصائل العسكرية والإدارة. وتعتبر السطوة الأكبر في المنطقة لعناصر المخابرات الجوية يليها الأمن العسكري، فضلاً عن تشكيل ميليشيات محلية هي أشبه ما تكون بفصائل المعارضة سابقاً، من ناحية التشكيل، وتتبع للفرقة الرابعة وقوات الغيث بقيادة (غياث دلة) والفيلق الخامس وقوات النمر.

فينتشر عناصر قوات النظام التابعين للفرقة الرابعة والأمن العسكري في بلدتي المسيفرة (الريف الشرقي)، والجيزة حيث صادر فرع الأمن العسكري الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بعد حملة تفتيش في البلدة، كما اعتقل بعض الشبان بحجة الانتماء إلى جبهة النصرة، رغم الاتفاق الذي يسمح بالحفاظ على الأسلحة الفردية حتى تتم تسوية أوضاع عناصر الفصائل والتحاقهم بصفوف النظام.

وكذلك في القطاع الأوسط من الريف الغربي، بدءاّ من بلدة خراب الشحم وصولاً إلى مشارف مدينة نوى، من جهة بلدة الشيخ سعد ومروراً بمدينتي طفس وداعل وبلدة تل شهاب، حيث دخلت قوات النظام والشرطة العسكرية الروسية إلى مدينة طفس، التي يمثل موقعها الجغرافي الاستراتيجي نقطة وصل بين الريفين الغربي والشرقي، بعد اتفاق مشابه لاتفاق مدينة بصرى، إلا أن دخول ضباط من النظام كان مخالفاً للاتفاق، الذي نصّ على رفع علم النظام على الدوائر الحكومية في المدينة ودخول الروس فقط، ليكونوا مسؤولين عن حفظ الأمن في المدينة.

تتركز حواجز النظام الرئيسية عند معبر نصيب ومدخل الشيخ سعد، وبين مدينة نوى وجاسم، و(الخط الرباعي) بين بلدات (السهوة، صيدا، الجيزة، والمسيفرة). بينما تنتشر ميليشيا حزب الله في منطقة (مثلث الموت) التي تربط أرياف القنيطرة ودمشق الغربي ودرعا الشمالي الغربي؛ كما افتتح مقرات في مدينتي خان أرنبة والبعث في القنيطرة، ودخلت قيادات تابعة له إلى بلدة صيدا لمدة 15 يوماً، بهدف تجنيد أبناء المنطقة بصفوفه، ولكن لم يتم رصد أي حالة تجنيد. كما يتواجد عناصر تابعين للحزب في (المسيفرة، بصر الحرير، إزرع، نامر، معربة، الشيخ مسكين، ومنطقة اللجاة).

بينما تعمل الفرقة الرابعة على الترويج للانضمام إليها، يقابله ترويج لصالح الفيلق الخامس، عبر حملة دعائية وجمع الآلاف من الأسماء من قبل قادة الفصائل الذين عقدوا التسويات، وشاركوا، من ثمّ، في معركة حوض اليرموك ضد (جيش خالد)، مقدمين وعوداً لمن يلتحق بهم بعدم مغادرة محافظة درعا، وعدم المشاركة في أي معارك خارجها لمدة عام كامل، رغم تأكيدات روسية سابقة، خلال جلسات المفاوضات، على مشاركة من يلتحق بـ(الفيلق) في قتال (الإرهاب) أينما تواجد داخل سوريا.

الاستثناء؟

أما في درعا البلد فيبدو أن الأمر مغاير، وكانت الشرطة العسكرية الروسية دخلت برفقة عناصر من قوات النظام إليها، بعد التوصل لاتفاق مع فصائل المعارضة، يشمل أحياء (طريق السد، المخيم، سجنة، المنشية، غرز، والصوامع)، وينص على "تسوية" أوضاع الراغبين بالتسوية، وخروج الرافضين للاتفاق وتسليم سلاحهم الثقيل والمتوسط.

رفض الروس رفع علم النظام في حي (طريق السد أو مخيم درعا)، وأصروا على أن يكون في درعا البلد، نتيجة لرمزية المكان، الذي اندلعت منه الثورة قبل سبع سنوات، في رسالة داخلية لمؤيديه ومعارضيه أنه "انتصر". لكن النظام لا يملك أي سلطة في المدينة التي لم تشهد، حتى الآن، تشكيل أي ميليشيات محلية تابعة له، إلا أن عناصره يتمركزون في الملعب البلدي بدرعا المحطة؛ في ظل تواجد فصائل عسكرية مثل (جيش التوحيد) و(جيش اليرموك) و(فرقة 18 آذار) عقدت تسويات مع النظام، ويقدر تعدادهم بـ 250 شخصاً، ما زالوا يحتفظون بسلاحهم الفردي دون إشهاره. كما عاد نحو 80 موظفاً من النازحين في دمشق إلى درعا البلد، لم يتم توظيفهم جميعاً وإعادتهم إلى الخدمة.

الإدارة

وعلى صعيد الإدارة المدنية، فإن إدارة المناطق اليوم بيد موظفين وعناصر تابعين للنظام؛ ففي مدينة جاسم تسلم الرئيس السابق للمجلس المحلي (راتب الجباوي) رئاسة البلدية، أما في باقي المناطق فتمّ فتح باب الترشح لأبناء القرى والبلدات ممثلة بالبلديات. وحسب مصادر محلية، فإن الأسماء التي تم ترشيحها تبين أن خلفيتهم بعثية، وكان يستقرّ أغلبهم في مناطق سيطرة النظام.

فيما لم يعد الموظفون الذين انشقوا عن النظام، أو طردوا من وظائفهم، ويقدر عددهم بنحو ألف، وهم بانتظار أوراق التسوية التي يستطيعون من خلالها التنقل ضمن المحافظة فقط، باستثناء بعض القيادات التي كانت في الجيش الحر، فتم إعطاؤهم بطاقات (تسهيل مهمة) للتنقل في مناطق سيطرة النظام بدرعا وخارجها. كذلك أعيد افتتاح مخافر الشرطة التابعة لقوات النظام في أغلب قرى وبلدات الريفين الشرقي والغربي، لكن لم يوظف فيها أي من الشبان الذين تجندوا مع قواته، باستثناء مدينة جاسم، التي بقي فيها نحو خمسة عناصر كانوا مع الحر سابقاً، وما زالوا يعملون في مخفر المدينة. وينحصر عمل المخافر في حل المشاجرات والخلافات بين الأهالي لا غير.