خلاف الغاب يمتد إلى المنازل .. روسيا وإيران ثقافتان عسكريتان في الساحل

لم يعد العداء الذي ظهرت مؤشراته مؤخراً بين "الفيلق الخامس اقتحام" و"الفرقة الرابعة" مدعومة بميليشيات عدة، مقتصراً على مناوشات وخلافات في السيطرة على المعابر التي تربط مناطق سيطرة النظام بمناطق سيطرة المعارضة في ريف حماه، بل أصبح عداءً تقليدياً، يمنع أصلاً من إمكانية حضور القوتين في موقع جغرافي واحد. 

حضور القوتين ما زال مستمراً في سهل الغاب بريف حماه، وما زال يؤكد على أن هتين القوتين هما الممثلان الأوضح لصراع تقف كل من إيران ورسيا خلفه، وفق التحليلات التي واكبت المعارك بين الطرفين، والتي ما زالت رحاها حتى الوقت الراهن تظهر وتختفي بين الحين والآخر، وتحجبها وسائل الإعلام قدر الإمكان.

"يعود مقاتلان من الغاب إلى قريتيهما في ريف طرطوس، كل منهما يحمل الشعارات والأهداف والرؤيا ذاتها بما يخص الوطن والقائد، ولهما تاريخ عمره أكثر من خمس سنوات في القتال ضمن فصائل النظام، إلا أن كل منهما بات يظهر انتماءً لجيش مختلف.. يضمر كل منهما في نفسه العداء للآخر، كونهما يعرفان ما يحدث في سهل الغاب" يقول معز علي وهو ناشط متابع لمجريات صراع القوى داخل جسم النظام، وينقل لعين المدينة أن الخلافات بين القوى المعروفة بالدعم الروسي والقوى المعروفة بالدعم الإيراني، بلغت أقاصاها حالياً في ريف حماه، خاصة مع إصرار الفرقة الرابعة على استمرار إشرافها على المعابر والقرى المتاخمة لسيطرة المعارضة، مقابل إصرار الفيلق الخامس على فرض سيطرته على المنطقة ككل هناك، كونه يتبع لروسيا وهي القوة الضامن للمناطق منزوعة السلاح ولاتفاقية سوتشي، بالتالي حضورها أساسي في هذه المنطقة.

يقول المصدر "إن ما يظهر في الميدان يمتد أثره في نفوس المقاتلين، حيث بإمكانك اليوم أن تجد مقاتلاً في الفيلق الخامس يعتز بأنه ينتمي لقوة مدعومة من روسيا، حيث الدخل الأعلى، والتنظيم والتدريب، وعدم الإساءة للمدنيين، وعدم السرقة.. متهماً الطرف الآخر المدعوم إيرانياً بأنهم قوى عديمة الأخلاق، يمارسون السرقة، ويتعدون على المدنيين.. فيما يتجه المقاتلون المتطوعون في القوى المدعومة إيرانياً وخاصة الميليشيات، إلى اتهام عناصر الفيلق الخامس والقوى المدعومة روسياً بأنهم جبناء ولا حضور لهم في المعارك العنيفة، وبأنهم مجرد مدعين لا يفقهون شيئاً في الحرب وأسلوب التعامل مع العدو، ويحاولون تسويق أنفسهم بأنهم قوة نظيفة أنيقة، مفتخرين بضباط شقر يقومون بتدريبهم وتوجيههم".

يخرج الخلاف عن حدوده المتمثلة بعدة جبهات في سهل الغاب، ليكون حاضراً في القرى والمدن الساحلية والداخلية، فهناك تيار كبير من المقاتلين وذويهم يرفضون حضور إيران كلياً، ويتهمونها بأنها هي من أدت إلى "تشويه سمعة الجيش"، وهي من أوجدت قطاع طرق وميليشيات مجهولة النسب، تعيث خراباً في المدن والقرى السورية.

هذا الرفض لم يكن معلناً سابقاً -كما هو اليوم- من قبل مواطنين يجدون في روسيا المخلص من كل هذا، مقابل تيار آخر يرفض سلطة الروس في سوريا، ويحملهم مسؤولية إيقاف المعارك وتوقيع الهدن والتسويات مع "الإرهابيين"، ومحاولة "تحقيق المكاسب السياسية على حساب الشعب"، فيما يرون في القوى المدعومة إيرانياً الأصلب والأكثر إقبالاً على المعركة، والقوة التي "لا ترحم العدو ولا تترك له المكان للتفاوض وتوقيع الأوراق".

لم تتجاوز حدود تلك الاشتباكات المباشرة بين القوتين اليوم عدة قرى في سهل الغاب، إلا أن اللافت أنها حتى اليوم لم تنته، وما زال الرصاص حاضراً بقوة، يغيب يوماً ليعود في يوم آخر معلناً أن القضية ليست مجرد خلاف بسيط على جبهة، إنما هو عميق، باتت رمزيته ممتدة إلى بيوت المقاتلين ومجتمعاتهم، فيما لا يزال الرصاص قيد مساحة محصورة، قد لا يكون لدى أي قوة في الداخل السوري القدرة على التحكم بهذه المساحة وإمكانية اتساعها.