حلب: بين السيارات المفخّخة والبراميل المتفجّرة

  أصدرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرها الأخير هذا، لتسلّط الضوء على المصاعب التي يعانيها مقاتلو حلب، الواقعون بين ضغط نظام بشار الأسد من جهة، وتنظيم داعش من جهةٍ أخرى.

ناجون من قصف في حلب | موقع الجزيرة الأمريكية

بعد استيلاء تحالفٍ من فصائل المعارضة المسلحة على نصف المدينة الشرقيّ، في تموز/ يوليو 2012، مثّلت حلب لوقتٍ ما رمزاً لتفاؤل المعارضة وللزخم الذي تتمتع به. أما في الشهور التالية، فإنها كشفت محدودية قدرات المعارضة المسلحة، التي تباطأ تقدمها، وتصارعت فيما بينها لكسب ودّ السكان المحليين. أما اليوم، ومع وقوعها في حربٍ على جبهتين ضدّ النظام وضد تنظيم الدولة الإسلامية، فإن وضعها بات أكثر حرجاً من أيّ وقتٍ سابقٍ منذ بداية القتال.
وبالنظر إلى المكاسب التي حققها النظام وتنظيم الدولة في أماكن أخرى، فإن مناطق حلب وريفها هي أهمّ ما تبقى لدى المعارضة المسلّحة على الأرض. وهكذا فإنها تمثل جائزةً كبرى، سواءً بالنسبة للنظام، الذي صعّد منذ أيلول/سبتمبر 2013 من محاولاته لإعادة الاستيلاء على المدينة، أم بالنسبة لتنظيم الدولة، التي قد تمثّل المدينة وما حولها بالنسبة إليه أفضل فرصةٍ للتوسّع. ثمة حاجةٌ للقيام بعملٍ عاجلٍ لمنع هزيمة المعارضة المعتدلة.

***

في النصف الثاني من عام 2013، في حلب كما في سائر أنحاء الشمال، انطلق نقاشٌ حادٌّ بين مقاتلي ونشطاء المعارضة حول صعود تنظيم الدولة، والمقارنة بين مزايا التعاون التكتيكيّ وقصير الأمد معه مقابل التهديد بعيد المدى الذي تشكله شهيته للتوسع على حساب المجموعات الأخرى؟ أو بين سمعته القائمة على الانضباط والامتناع عن ارتكاب الجرائم الصغيرة، والإحباط من القسوة التي تميّز بها؟ استمرّ التململ أشهراً في شمال سورية حتى انفجر أخيراً في كانون الثاني/ يناير 2014، إذ كانت التوترات قد تصاعدت بشكلٍ خاصٍّ في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة على الحدود التركية، حيث فرض التنظيم سيطرته على البلدات والطرق المؤدّية إلى المعابر الرئيسية، التي من شأنها أن تعود عليه بمكاسب ماديةٍ مجزية، وتهدّد بخنق خصومه.
كانت نتائج المرحلة الأولى من تلك الحرب، التي استمرّت ستة أسابيع، متفاوتة. فقد جرّدت فصائل المعارضة المسلحة تنظيم الدولة من المصداقية الثورية، وصنّفته كعدوٍّ بموازاة الأسد، وطردته من مناطق أساسية، إلا أن ذلك تحقق بكلفةٍ كبيرة. كما أن انتصارات التنظيم في الرقة وريف حلب الشرقيّ منحته، للمرّة الأولى، سيطرةً على منطقةٍ متصلةٍ جغرافياً صارت له فيها سلطة حكمٍ حصرية.

***

بعد 11 شهراً من هجوم قوّات المعارضة، التي استولت على النصف الشرقيّ من مدينة حلب، شنّت قوات النظام حملةً لاستعادة المبادرة. بدأ الهجوم الجويّ على حلب في أواخر
تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، وتصاعد مع إرسال النظام وفده إلى مفاوضات جنيف2 في كانون الثاني/ يناير 2014. شكّلت البراميل المتفجرة، في حلب كما في غيرها، جزءاً رئيسياً من استراتيجية النظام لإحداث كارثةٍ إنسانيةٍ وإفراغ المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من سكانها، كجزءٍ من عقيدةٍ تمحو الخطّ الفاصل بين التكتيكات العسكرية والعقاب الجماعيّ.
وحين نشبت المعركة بين قوّات المعارضة المسلّحة وتنظيم الدولة سارع النظام إلى استغلال القتال بين أعدائه. وحتى عندما كان وفده إلى جنيف2 يؤكد على الحرب ضد "الإرهاب"، فإن قوّاته على الأرض كانت تفعل شيئاً مختلفاً. فقد تجاهل تنظيمَ الدولة الإسلامية إلى حدٍّ بعيد، بينما صعّد حملته ضد المعارضة المسلحة. وكثف من هجماته الجوّية والبرية على المناطق التي كان تنظيم الدولة قد انسحب منها، بينما استثنى المعاقل التي استولى التنظيم عليها حديثاً في شرق البلاد.
ولا يعود ذلك إلى أن النظام وتنظيم الدولة حليفان، رغم أن تجنّب الطرفين المواجهة المباشرة في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2014 أعطى البعض هذا الانطباع. ولكنهما في الواقع، ورغم الصدامات الأخيرة في شرق سوريا، يتشاطران بعض المصالح القصيرة ومتوسطة المدى.

***

إن مزيجاً من انتصار النظام وتنظيم الدولة في حلب وحولها سيكون مدمّراً ليس فقط للمقاتلين المحليين، بل للمعارضة السورية برمّتها. سيتردّد صدى خسارة الأرض والمعنويات في سائر أنحاء البلاد، ما هو على المحكّ في حلب ليس انتصار النظام بل هزيمة المعارضة.
الوضع حرجٌ، لكن الأوان لم يفت بعد.