حزب الله ورسم الخريطة اللبنانية الجديدة

 

هاني شمعون | بيروت

يحاول حزب الله اللبناني الوقوف على هامش الحدث الأخير الذي شهدته مدينة صيدا، فهو "حزبٌ لا يتدخل في شأنٍ عسكريٍ أمنيٍ يقوم به الجيش اللبناني"، وفق رؤية منظري الحزب،  بل يعبّر عن موقفه إعلامياً لا أكثر... بأنه يقف مع الجيش في مهماته الوطنية، تلك المهمات التي لا بد أن حزب الله من أكثر المستفيدين منها عملياً، بالتخلص من خصوم الداخل بذراع الجيش اللبناني، وإنهاك القوى العسكرية اللبنانية، ليبقى الحزب هو القوة المسيطرة الحاكمة للبنان.
وفي الوقت الذي ينفي فيه الحزب مشاركة عناصره في العملية العسكرية التي قام بها الجيش اللبناني في صيدا ضد أنصار الشيخ أحمد الأسير، تظهر بعض تسجيلات الفيديو لعناصر مسلحة بلباس مدني تقاتل مع الجيش. وقد لا يشكل هذا دليلاً واضحاً على مشاركة الحزب في القتال في صيدا، وليس موضوع مشاركته موضوعاً ذا أهمية أصلاً، بالنسبة إلى حزب يشارك جيشاً خارجياً في قمع الثورة في بلده! فوجود قوى نصر الله على الأراضي السورية إلى جانب جيش النظام قد يلغي أهمية مجمل تصرفات الحزب في الداخل اللبناني من جهة، ويضعه كمسببٍ رئيسيٍ لمجمل المشكلات الداخلية التي وقع فيها لبنان في الآونة الأخيرة، من جهة أخرى.
يرى محللون من تيار المستقبل ومن حزب القوات اللبنانية، أن لعبة صيدا بمجملها كانت بمخططٍ من حزب الله، بمعنى أن يتم استفزاز مسلحي "أحمد الأسير" وجرّهم إلى العمل المسلح من خلال مناوشات معهم، وبالتالي إدخال الجيش اللبناني كقوة وطنية تكافح تنظيماً مسلحاً على أرضها، وهذا التنظيم متهم بالتحالف مع الجيش السوري الحر، خاصة وأن الأسير من مناصري الثورة السورية. وبالفعل، وقع الأسير في شرك الحزب الذي يملك مئات الأضعاف من الأسلحة والقوى العسكرية المنظمة، وبالتالي يبدو انتصار الجيش اللبناني على قوى الأسير سهلأً وإنجازاً وطنياً، خاصة وأن مختلف القوى اللبنانية وقفت إلى جانب الجيش، حتى تلك المعارضة بقوة لحزب الله. ومن هنا يكسب الحزب تأييداً شعبياً لقمع قوى الأسير، ويقف متفرجاً على انقسامات جديدة في الخارطة السياسية اللبنانية، ليتزعم الساحة الحربية بسلاحه الأقوى، ويجعل مسألة تدخله في سورية هامشية أمام الأزمة اللبنانية الداخلية.
يبدو موقف القوى اللبنانية المعارضة لنظام الأسد منطقياً في دعمها لجيش لبنان، على اعتبار أنه القوة المسلحة التي لا تنتمي إلى حزب، على الرغم من أن إجراءاتها الحالية تصب في جهة أهداف حزب الله، إلا أن الجيش اللبناني ـ ومن وجهة نظر تلك القوى ـ لا بد من أن يبقى قوةً لبنانية يمكن أن يطلب منها التخلص من كافة أنواع الميليشيات المسلحة على الأرض اللبنانية إذا ما ضاقت الظروف بتلك الميليشيات. بمعنى أن حزب الله، الذي يقاتل في سورية حالياً، لا بدّ من زمنٍ يصبح فيه ضعيفاً إذا ما تعرضت قواته لدمارٍ في الأراضي السورية الواسعة، وهو المتوقع إذا ما اشتدت عزيمة الثورة السورية بسلاحٍ جديد، وبالتالي فإن انهيار قواته في سورية يستدعي ضعفه كميليشيا مسلحة في الداخل اللبناني، وعندها قد تكون للجيش اللبناني كلمة ثانية تجاهه، فيقف ضده كسلاح ميليشوي ترهيبي.
ومن المنطقي جداً ما يسوّق عن أن حزب الله  يسعى لفرض سيطرته من جديد على مناطق لبنانية خارجة عن إدارته نسبياً. وبالتالي فإن افتعال المشاكل في صيدا وطرابلس وبعض قرى البقاع لا بد من أن يعطي نتائج مرحلية مفيدة للحزب، خاصة بالتخلص من القوى المناصرة للثورة السورية، والتي كان خطؤها أنها رفعت سلاحاً في جغرافية من الصعب الانتصار فيها حالياً (لبنان) وفوّتت على نفسها فرصة الاستمرار كتيار مدنيى ديني يؤيد الثورة السورية ويؤثر في الرأي العام اللبناني.