جيب علي بابا في يسار الفرات
(3) آلاف لص وقاتل وقاطع طريق، من جنود النظام وأتباع إيران والروس

متداولة للجسر الحربي

في يوم (18) من شهر أيلول الماضي، بدأت قوات مشتركة، تضم وحدات من جيش النظام وميليشيات تابعة له وأخرى تابعة لإيران، إضافة إلى وحدات نظامية ومقاتلين مرتزقة روس، بعبور نهر الفرات من الضفة اليمنى قرب بلدة المريعية، إلى الضفة اليسرى قرب بلدة مراط، عبر جسر حربي أنشأته وحدة هندسية روسية. وجاء انتقال النظام وحلفائه إلى الضفة اليسرى في محاولة منهم للسيطرة على معمل معالجة الغاز المعروف بـ «كونيكو» وما يحيط به من آبار غازية، وعلى حقل العمر النفطي. غير أن «قسد» التي كانت قد سيطرت على منطقة المعامل نجحت في الوصول قبل النظام إلى «كونيكو» والعمر، ثم إلى باقي آبار النفط شمال شرق نهر الفرات.

وفي حصيلة المعارك التي خاضتها بشكل منفصل، كل من «قسد» مدعومة من التحالف الدولي من جهة، وقوات النظام وحلفائه من جهة أخرى، ارتسمت خريطة السيطرة في الجانب الأيسر من نهر الفرات المعروف بمنطقة الجزيرة، بين جزء صغير يسيطر عليه النظام وحلفاؤه على شكل شريط تقريباً، يمتد بين بلدتي الحسينية و الطابية من الغرب إلى الشرق، وبلدتي حطلة والصالحية من الجنوب إلى الشمال، قبل أن يضيق ليوازي خط سكة القطار. فيما تسيطر «قسد» على باقي المنطقة، باستثناء جيب صغير أقصى شرق المحافظة ما يزال تحت سيطرة تنظيم داعش، وآخر أكبر في بادية الجزيرة قرب الحدود العراقية في الشمال.

تشكيلة القوات

نميز ثلاثة أنواع رئيسية، في تشكيلة القوات المنتشرة في الجيب الخاضع اسمياً لسيطرة النظام في الجانب الأيسر من نهر الفرات، حدّدتها مصادر خاصة

 لـ عين المدينة وفق ما يلي:

أولاً:  قوات تابعة للروس، وتضم وحدات من الجيش النظامي، ومجموعات أكبر من مقاتلين مرتزقة. ويعمل الجميع تحت قيادة ضابط يدعى الجنرال مول، ويقدر عددهم الكلي بـ (500) جندي ومقاتل تقريباً. وتتمتع هذه القوات بتسليح جيد فيه عتاد ثقيل، من مدافع ودبابات وراجمات صواريخ. إضافة إلى ناقلات الجند المدرعة وكاسحات الألغام ومركبات وآليات هندسية..

ثانياً: القوات التابعة لإيران، وتضم ميليشيا من شيعة بلدة حطلة، يقودهم طارق ياسين المعيوف. وميليشيا أخرى من شيعة حطلة، يقودها حسان علي الموسى الملا عيد، الذي يتمتع بعلاقات خاصة مع حزب الله اللبناني، وترفع ميليشياه أعلام الحزب. وميليشيا لواء الباقر الذي يترأسه كل من «الحاج» خالد المرعي ونواف البشير عبر ابنه أسعد، ولكل منهما مجموعات تتبع له مباشرة في صفوف هذه الميليشيا. ولوحظ مؤخراً تحول تدريجي لنواف البشير من الحرس الثوري الإيراني نحو الحرس الجمهوري التابع للنظام، ودون أن يصل درجة الانشقاق على الإيرانيين بعد. وتعمل جميع هذه القوات تحت قيادة وحدة صغيرة من الحرس الثوري، يقدر عددها بـ (100) عنصر تقريباً، فيما يقدّر العدد الكلي لعناصر الميليشيات التابعة لإيران على أنواعها بـ(1200-1500) عنصر تقريباً، ما يجعل لهم الحضور العددي الأكبر، مقارنة بحلفائهم من الروس ومن أتباع النظام.

ثالثاً: قوات تابعة للنظام، وتضم مجموعات من جيشه، تنتمي بشكل رئيسي لما يعرف بالفيلق الخامس (اقتحام) المدعوم من الروس بشكل خاص، إضافة إلى مجموعات أصغر من الحرس الجمهوري، ومن جهاز المخابرات العسكرية، ومن جهاز المخابرات الجوية، يبدو أنها تتبع للعميد سهيل الحسن حسب مباشرة، إضافة إلى مجموعات من ميليشيا «فصائل الحماية الذاتية» -قيد التأسيس- تعرف اليوم باسم اللجان الشعبية، ويقودها عزام الطير (أمين شعبة الريف الثانية لحزب البعث). يقدّر العدد الكلي لهذه القوات بـ (1000) عنصر تقريباً، منهم (300-400) جنود احتياط. ويترأس هذه القوات ضابطان معروفان باسميهما الأولين، العميد ركن جمال والعقيد ركن إبراهيم.

النفوذ:

داخل الجزء الذي يسيطر عليه –اسمياً- النظام في الجانب الأيسر من نهر الفرات، يُلحظ حضورٌ ونفوذ متباين بين منطقة وأخرى في هذا الجزء لأنواع القوات. حيث يتمتع النظام بحضور قوي نسبياً عبر الفيلق الخامس –المدعوم من الروس- في بلدة الحسينية. وتسيطر الميليشيات الشيعية على بلدتي حطلة ومراط. فيما يتركز الانتشار الروسي بشكل خاص في بلدتي خشام والطابية، إضافة إلى انتشار صغير في بلدة الصالحية، حيث افتتحوا مقراً ومكتب تنسيق في هذه البلدة. وتعمل مروحيات روسية لتأمين الإمداد اللوجستي لهذه القوات من قواعدها الخلفية في المطار العسكري شرق مدينة دير الزور، ويشارك الجميع تقريباً في السيطرة على بلدة الصالحية.

ويُلحظ التباين ذاته في الحواجز ونقاط التفتيش الرئيسية، إذ يتشارك الروس والنظام في إدارة حاجز دوار الحلبية، ويتشاركان مع الميليشيات التابعة لإيران في إدارة الحاجز الرئيسي في بلدة الصالحية، الذي تبدأ بعده منطقة سيطرة «قسد». ويتشارك النظام مع الميليشيات التابعة لإيران في إدارة حاجز آخر في بلدة الصالحية. فيما تنشر الميليشيات التابعة لإيران (5) حواجز في بلدة حطلة.

في يوم (7) من شهر شباط الماضي، أحبطت ضربات جوية أمريكية، هجوماً شنته قوات مشتركة من ميليشيات تابعة لإيران، ومن وحدة المرتزقة الروس المعروفة بفرقة فاغنر، باتجاه معمل كونيكو للغاز. وتسببت الضربات الأمريكية بمقتل المئات من المقاتلين المرتزقة الروس ومن عناصر الميليشيات التابعة لإيران.

بعيد عبورها نهر الفرات، في شهر أيلول الماضي، نفّذ جنود النظام وعناصر الميليشيات بأنواعها إعدامات ميدانية بحق العشرات من السكان المدنيين الذين ألقوا القبض عليهم، وما زالت بعض الجثث المتفسخة للضحايا مرمية في العراء حتى اليوم. وحدثت عمليات نهب واسعة لممتلكات الأهالي، وصلت حدّ انتزاع الأبواب والشبابيك وأسلاك الكهرباء النحاسية من الجدران في المنازل. وترك عناصر ميليشيا «جيش العشائر»، القادمة من الرقة ضمن عديد الميليشيات التابعة للمخابرات الجوية، التي شاركت بعملية العبور قبل أن تنسحب، عبارات بذيئة وسوقية على الجدران في المنازل. وينشط اليوم إلى جانب القادة العسكريين وسطاء ونافذون محليون يتبعون لأجهزة مخابرات النظام أو للميليشيات التابعة لإيران. وظهر إلى جانب هؤلاء أيضاً وسيط مدعوم من جمعية البستان المملوكة لرامي مخلوف (ابن خال رأس النظام بشار الأسد). ويعمل الوسطاء بشكل أساسي في تشجيع النازحين على العودة ضمن ما يسمى «المصالحة»، التي تعني فقط استسلام النازح مقابل وقف الملاحقة الأمنية، وبشرط أن ينتسب فرد على الأقل من كل أسرة لواحدة من الميليشيات على أنواعها، ويتنافس الوسطاء فيما بينهم لجذب أكبر عدد من المتطوعين إلى الميليشيات التابعة للأطراف التي تشغلهم.