جحيم التنقل بين دمشق وضواحيها

أحد الحواجز بين دمشق والغوطة - SY24

قبل دخوله دمشق من أي الجهات المحيطة بها، يتحسس عبد الكريم وهو فلاح من ريف دمشق حفنة من الأوراق المالية التي يدسها في جيب قميصه تجهيزاً لدفعها كرشاوى لقاء دخوله العاصمة التي باتت حواجزها بعد توقف مصادر تمويلها من سرقة البيوت والتعفيش، ك"المنشار.. عالطالع بتاكل وعالنازل بتاكل"، بينما لا يملك الأهالي غير التطبيع مع هذه الممارسات التي صارت نوعاً من الممارسة البيروقراطية.

 ومثل عبد الكريم يتعرض معظم التجار والمسافرين والفلاحين للابتزاز الذي تمارسه حواجز النظام المتمركزة على أطراف وداخل دمشق، حيث يطلب الجميع (ضباطاً وعناصر) رشاوى وإتاوات على شكل "إكراميات"، ما تسبب بخلق حالة من الجمود التجاري بين دمشق والمناطق المحيطة.

 وتتقاضى حواجز النظام التي تتمركز على أطراف مدينة دمشق إتاوات مالية بطرق عديدة قد تكون غير مباشرة، وأحياناً يلجأ العناصر إلى طلب الرشاوى بشكل واضح وصريح .

 تتراوح المبالغ التي يطلبها العناصر بين ٢٠٠ ليرة سورية عن كل ميكروباص ركاب يدخل دمشق، و٥٠٠ ليرة لقاء تمرير الأدوات المنزلية، فيما يصل حجم المبالغ التي يضطر السكان إلى دفعها من أجل تمرير البضائع إلى ٥٠٠٠ ليرة سورية.

 قام أبو عمار أحد سكان مدينة دمشق بشراء براد من منطقة صحنايا بريف دمشق الغربي، وعندما أراد نقل البراد إلى منزله اضطر إلى المرور بالحواجز التي يضعها النظام على أطراف مدينة صحنايا. يقول لعين المدينة "تم إيقافي على حاجز صحنايا حيث سألني أحد العناصر عن أوراق تثبت ملكية البراد، فأبرزتها له، لكنه ألمح إلى أنه يريد الورقة الزرقاء.. كناية عن ٥٠٠ ليرة سورية". 

 من جانبه يقول أبو مروان أحد مزارعي منطقة كوكب في الطرف الغربي لمدينة دمشق، أنه اعتاد على حمل علب المتة والتبغ كي يعطيها لعناصر الحواجز في طريقه نحو سوق الهال داخل العاصمة. ويضيف خلال حديث لعين المدينة: "يأخذون بضع علب من الدخان والمتة كبديل عن المحصول الموجود في السيارة.. على كل حال ما باليد حيلة.. وإلا فسوف يتسلطون على محصولي".

 ادفع أو إلى التفييش

يقوم عناصر الحواجز بإهانة الناس وإذلاهم من خلال إجبارهم على الوقوف لعدة ساعات، أو تهديدهم بتفييش هوياتهم بمزاجية لا تبالي بما لديهم من التزامات.

 يوضح حسان أحد طلاب جامعة دمشق في كلية الحقوق والذي يقطن في مدينة الكسوة، أنه يخرج من بيته قبل موعده بحوالي الثلاث ساعات متحسباً إيقاف الحواجز للميكروباص الذي يقله، أو إجباره على الوقوف جانباً وإجراء عمليات تفييش لجميع من يركب الحافلة. ويضيف حسان لعين المدينة قائلاً "أجبرنا حاجز الفحامة وأنا في طريقي إلى الكلية على الوقوف أكثر من مرة من أجل التفيش". ويتابع بأن هذا التهديد بات شيئاً ملموساً "في كل مرة لا يتم فيها دفع المعلوم للعناصر من قبل سائق الحافلة".

 إلى ذلك، قد يتعرض الركاب للتوقف على جانب الطريق من قبل الحواجز لمدة من الزمن تتجاوز أحياناً ساعة أو ساعتين، "كل ذلك بحجة تفييش الركاب والاستفسار عن أوضاعهم الأمنية، وهذا ما يجعل الموظف يتأخر عن دائرته الوظيفية والمدرس عن مدرسته والطالب عن المحاضرات الجامعية الأولى"، يوضح حسان بشيء من الأسى.

 موافقات أمنية جائرة

تتسب الحواجز بمضايقات أمنية تؤدي في الغالب إلى حدوث عراقيل تجمد معظم المشاريع التجارية التي يجريها السكان، والتي تعتمد على نقل البضائع من منطقة لأخرى. وعادة ما يطلب عناصر الحواجز أوراق الموافقات الأمنية للسماح بدخول البضائع، ما جعل أشخاصاً عديدين يوقفون نشاطاتهم التجارية حتى حين.

 يشير أبو محمد أحد تجار الخضار والمواد الغذائية في منطقة كفرسوسة غربي دمشق، إلى أنه قد عزف عن تجارة زيت الزيتون التي كانت من الممكن أن تدر له أموالاً وفيرة بسبب مضايقات الحواجز التي تطلب منه موافقة أمنية لنقل هذه البضائع بين دمشق وريفها. 

 ويوضح لعين المدينة قائلاً "اضطررت إلى إيقاف تجارتي المتعلقة بزيت الزيتون لأن نقل مثل هذه البضائع يحتاج إلى موافقة أمنية كي أستطيع إمرارها على الحواجز".