جامعة تشرين.. أكبر الفروع الأمنية في الساحل السوري بعض الطلاب يحمل «الكلبشة» وأبناء المحافظات الأخرى هم هدف «الشبيحة» المخبرين المفضل

ليس مبالغةً أن توصَف جامعة تشرين في مدينة اللاذقية بأنها كبرى المراكز الأمنية في الساحل السوري، فالصرح الذي يمتد على مساحة واسعة من كبرى مدن الساحل السوري، والمعروفة بأنها معقل الميليشيات الموالية للنظام (الدفاع الوطني –الشبيحة)، يتيح لفروع الأمن نشر العناصر داخل الكليات، وتخصيص المكاتب لهم، وتجنيد الطلاب في خدمتهم. تلك الجامعة التي لم تكن بعيدةً في يوم من الأيام عن سلطة الأمن بصورته العائلية والطائفية، فقد كانت مرتعاً لشبيحة المدينة، باتت اليوم تحمل معالم مباشرة وواضحة لسيطرة أمنية مطلقة، وتسيير كامل من قبل ميليشيات النظام في المدينة.

لا يقتصر الوجود الأمني في الجامعة على الحواجز عند أبوابها ومداخلها، وحتى البوابات الأصغر لكلياتها وأبنيتها الملحقة، إنما في شوراعها الداخلية، وعلى أبوب مدرجاتها، وفي كل بهو منها. فليس غريباً أن يوقفك عنصر أمن على هيئة طالب ليطلب هويتك، بل وأن تجد سيارة مركونة بالقرب من باب إحدى الكليات، فتنزل منها دورية أمنية فتضرب طالباً وتعتقله ثم تضعه في السيارة وتنطلق به على مرأى الجميع، دون استغراب من أحد.

عزام علي من طلاب كلية الآداب في جامعة تشرين، يروي عن حياته اليومية في الجامعة، قائلاً «الاعتقال أمر يومي، ومشهد تعدّي السلطات الأمنية على الطلاب مكرر، فلن تلتفت إذا ما شاهدت طالباً يقتاده عناصر الأمن، أو شاهدت زميلك يقوم باعتقال زميل آخر بصحبة عناصر.. الشبيحة ينتشرون في كل مكان. هناك طلاب يحملون مسدسات. هناك من يحمل كلبشات. أنت لست في جامعة هنا، بالتأكيد لن تشعر أنك في جامعة. وسوى ذلك سوف تفتقد الذكور، الجامعة تعج بالفتيات، وهن أيضاً لسن بعيدات عن متناول أيدي الدفاع الوطني والشبيحة والأمن».

يداوم عزام يومين فقط في الأسبوع، رغم ضرورة وجوده أكثر من ذلك، إلا أنه يقتصر على حضور المحاضرات الإلزامية «أخاف منها، ومن وجودي المتكرر فيها، ومن النظر في عيون الطلاب. قد يكون أحدهم مخبراً، خاصة وأنني غريب ولست من أبناء المحافظة، وأغلب المعتقلين والملاحقين هم أبناء المحافظات الأخرى، فهم الهدف المفضل والفريسة السهلة التي لن يجرؤ أحد على السؤال عنها.. هناك فتيات يتعاملن مع الأمن، لقد تم اعتقال إحدى زميلاتنا في قسم الأدب الإنكليزي عن طريق صديقتها المقربة التي أحضرت دورية الأمن إليها، ودلتهم إلى مكان جلوسها، ورافقتهم إلى داخل المدرج ليقوموا باعتقالها».

عصام عجاج نال درجة الماجستير في كلية الهندسة المدنية من جامعة تشرين قبل فترة، يقول: «منذ أكثر من عشر سنوات وأنا في هذه الجامعة.. لقد تغيرتْ خلال السنوات الست الأخيرة كثيراً. لا أنكر أنها في البداية كانت مرتعاً للشبيحة، وكان حضورهم فيها واضحاً، إلا أن قانوناً ما كان يمنعهم من ممارسة ما يريدون. كان أغلبهم لا يستطيع الدخول بسيارته إليها، كما أن تصرفاتهم كانت تعتبر تصرفات إجرامية غير طبيعية، وكانت الشرطة أحياناً تتدخل لمنعهم من دخول الجامعة أو إزعاج طلابها. أما اليوم فالوضع اختلف كلياً، باتت سجناً كبيراً يحتجز الطلاب الذين ينتظرون لحظة تخرجهم وكأنها الخلاص.. التجمعات قليلة والخوف يظهر في عيون الجميع، أساتذةً وطلاباً وإداريين.. بمسدس واحد يمكنك أن تعتقل كل من في الجامعة دون أن تكون شرطياً أو ضابطاً.. إن أي أحد في هذه الجامعة يمكنه أن يسيطر على ما شاء، بمجرد أن يُلمّح بأنه عنصر أمني موكل بهذه الكلية أو تلك».

تتم حالات الاعتقال في جامعة تشرين بكل هدوء وصمت، دون أن يتم الإعلان عنها حتى على صفحات الفيس بوك، يخاف جميع الطلاب من نشر أي معلومة من داخلها، ومن التقاط أي صورة. في ما تتسرب بين حين وأخر أسماء فتيات وشبان تم اعتقالهم من داخل مدرجات كلياتهم، بينما تنتشر أخبار مقتل شبان تحت التعذيب كان قد تم اعتقالهم من داخل أسوار الجامعة.