تمثيل خان شيخون والتمثيل على أنقاضها

عدسة تمام صوفان -خاص عين المدينة

في الأيام الأولى من فرض السيطرة على خان شيخون، تناقلت وسائل إعلام النظام فيديوهات وصور يظهر فيها فرق خدمية تقوم بطلاء أرصفة في المدينة، وتصلح طرقات رئيسية، إضافة إلى أشخاص تقدمهم على أنهم أهلها يتلقون مساعدات صورتها الوسائل التي كثفت زياراتها إليها، إضافة إلى عدد من المسؤولين أهمهم بثينة شعبان مستشارة رئيس النظام. وعلى بعد عشرات الكيلومترات يخرج سكان المدينة في مظاهرة تقول "نحن هنا ولن ننسى"

سيكون يوم 22 آب الماضي مفصلياً بالنسبة إلى النظام والثوار على حد سواء، إذ سيطرت ميليشياته على مدينة خان شيخون، المدينة الأهم في جنوب إدلب، رفقة القصف الجوي المضاعف الذي نفذته الطائرات الروسية عليها ومحيطها، كما فعلت في مناطق سورية عديدة لانتزاعها من أيدي الثوار وطرد أهلها منها، على أن ما جعل للمدينة أهمية قصوى لدى النظام اقتران اسمها بمجزرة الكيماوي التي ارتكبها في 4 نيسان 2017، وراح ضحيتها أكثر من 100 مدني، وما رافقها وتلاها من تبعات دولية. وبعد دخول المدينة مباشرةً، سارعت سلطات النظام لأعمال ظاهرها إصلاحي خدمي، إضافة لزيارة المسؤولين، لرسم معالم حياة سريعة للمدينة.

وعن طريق التواصل مع مدنيين استطاعوا دخولها من جانب مناطق النظام، استطاع نشطاء من المدينة جلب تفاصيل ما جرى فيها وما تم من أعمال. هاني قطيني أحد نشطاء مدينة خان شيخون، روى لعين المدينة حقيقة هذه "الأعمال الإصلاحية" بقوله: "اختارت سلطات النظام حي في مدخل المدينة، وأصلحت فيه مسافات قصيرة من الطرقات لا تتعدى 100 متر، وطلت رصيفاً واحداً لأحدها، ووصلت أشرطة التوتر الكهربائي فيه، بقصد التصوير فقط، كما أصلحت اللوحة الحجرية في مدخل المدينة الرئيسي، والتي تحمل اسمها". وتابع قطيني: "دمار المدينة كبير، ولا يمكن إصلاحه بسرعة، لذلك اقتصرت الأعمال على التمثيل المصور، بإصلاحات بسيطة جداً، إذ اختار النظام مدرسة سليمة وجعلها مركز للمنطقة، وأخذ بيوت مدنيين وحولها إلى مراكز أمن ودوائر حكومية".

 في حين علق الناشط عبد الوهاب سفر على ادعاء النظام إصلاح وافتتاح مدارس المدينة بأنها كذبة، وتوقف عند الصورة التي بثها النظام لهذا الادعاء، والتي يظهر فيها عدة مسؤولين يحملون لوحة شعرية، قائلاً: "هذه المدرسة في الصورة هي مدرسة الأوائل الخاصة التي سلمت من القصف، وبكل غباء يحمل المسؤولون فيها لوحة عليها قصيدة لأستاذ يقيم بيننا، واللوحة بالأصل موجودة في المدرسة".

 يرى غالبية نشطاء المدينة أن النظام يهدف لمسح معالم جرائمه فيها، بتمثيل إعادة الحياة لها، بعد اشتهار المدينة عالمياً بجريمة الكيماوي، وبعدة مجازر أخرى افتعلها قصفه، إذ استطاع أهالي المدينة توثيقها وإدانته دولياً، وتلقى إثرها النظام ضربة عسكرية لمطار الشعيرات، ما جلب لها حقد آلته العسكرية المنفلتة، وقد قصفها بحدة وداوم على تدميرها أكثر من باقي مناطق إدلب. ويتوقع النشطاء تمثيل تفعيل مرافق الحياة الخدمية شكلياً، كما أوضح لعين المدينة الناشط الثوري هشام نجم، بقوله: "يحاول النظام إظهار أن الحياة عادت إلى المدينة، لكي يثبت صحة مزاعمه بأنه يحرر المدنيين من قبضة الإرهاب، كما أجبر بعض موظفي الدوائر على الذهاب إلى مدينة حماة".

على المقلب الآخر تظاهر أهالي خان شيخون مساء 28 آب ذاته في مدينة إدلب، تكذيباً لروايات النظام بأن أهالي المدينة يستقبلون جيشه، وتأكيداً على أنهم الوحيدون الذين يمثلونها، وحملت عباراتهم رفض سيطرة النظام على المدينة، وطمس آثار جريمة الكيمياوي، وأشاروا بشعاراتهم إلى أن النظام يسلب أملاكهم وأراضيهم وبيوتهم، وطالبوا المجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤوليته الإنسانية والأخلاقية تجاه أهالي المدينة وقد شردتهم ميليشيات النظام رفقة القصف الروسي، وطالبوا فصائل المعارضة باستعادة الأراضي التي احتلتها تلك المليشيات.

 محمد قطيني أحد متظاهري خان شيخون، يذكر أن السبب الأول لخروجه في المظاهرة هو جلب النظام عدداً من الموالين من مدينة حماة، ونقلهم بحافلات إلى حي في المدينة، وتصويرهم على أنهم أهاليها ويتلقون مساعدات منه، كما شرح القطيني الذي ختم بقوله: "زيادةً على جرائمهم، يريدون إظهار أن الضحية ترحب بالمجرم، لذا أردنا تكذيبهم، وإظهار موقف أهالي خان شيخون منهم، وأننا سنبقى نرفضهم، ونطالب بإخراجهم من بلادنا."
 يقول محمد جوهر الذي خسر أهله بمجزرة الكيماوي: "مهما حاول النظام تمثيل الحياة في مدينتنا، لن ننسى أنه كان سبب رئيسي في تدميرها، وارتكاب عدة مجازر فيها، والمجزرة التي لا تغيب ولا تنسى مجزرة الكيماوي التي يحاول النظام طمس معالمها." في حين توعد عبد الحميد اليوسف، الذي خسر 22 شخصاً من عائلته في مجزرة الكيماوي، بينهم زوجته وأطفاله، أنه سيبقى شاهداً على الجريمة، وسيظل طيلة حياته يفضحه، واعتبر أن المجتمع الدولي متواطئ مع النظام، بعد كل استخداماته للأسلحة المحرمة دولياً وعدم حسابه، وتخوف اليوسف من أن نبش قبور الضحايا ستكون الجريمة اللاحقة التي سيقدم النظام عليها.