تجّار ريف حلب الشرقيّ بين مضايقات داعش وصعوبة ظروف العمل

  رافقت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش، على الريف الشرقيّ والشماليّ الشرقيّ لمحافظة حلب، تغييراتٌ اقتصاديةٌ لافتة، بدأت بإغلاق معبر جرابلس على الحدود التركية، والذي كان متنفسّاً هاماً للمحافظة ولأجزاء أخرى من الأراضي السورية. لينتهي بذلك النشاط التجاريّ والصناعيّ والخدميّ الذي ارتبط بهذا المعبر، ولتبدأ مرحلةٌ جديدةٌ في ظلّ داعش التي جلبت نظامها الخاصّ في التجارة والأعمال الأخرى.

قبل داعش

ويتجاوز التأثير المباشر للمعبر مدينة جرابلس الملاصقة له، التي يتذكر سكانها أيام الازدهار التي عاشتها معه. إذ وفّرت حركة الشحن والتفريغ والتبادل مئات الوظائف ذات الدخل الماديّ الجيد، إضافةً إلى حركة سفر ونقل الركاب من وإلى الأراضي التركية. يقول عدنان، وهو صحفيٌّ من أبناء جرابلس: "كان لإغلاق المعبر الدور الاساسيّ في الركود الحاليّ في ريفي حلب الجنوبيّ والشرقيّ. إذ أغلقت رئة هذا الريف وتبدّدت فرص العمل المرتبطة بالحركة التجارية والخدمية وحركة نقل الركاب عبر هذا المعبر". وكانت المواد الغذائية المصنّعة والمنظفات والألبسة هي الأنواع الأكثر طلباً ضمن ما تحمله الشاحنات من معبر جرابلس، إضافةً إلى بعض المواد الأوّلية اللازمة لعمل المصانع الواقعة في ريف حلب الشرقيّ. وكان لانهيار الصناعة، بتوقف معامل المدينة الصناعية بحلب ومحيطها بسبب الحرب، دورٌ كبيرٌ في الاعتماد على جرابلس وغيرها من مدن الريف الشرقيّ مثل منبج والباب. إذ انتقلت العديد من المعامل وورش التصنيع إليها نتيجة الأمان النسبيّ بعيداً عن مواقع القتال. كما أسهم النفط الخام والمكرّر القادم من دير الزور في هذا الجانب، لتتوافر بذلك بيئةٌ ملائمةٌ نسبياً للعمل في ظروف الحرب التي تشهدها البلاد.

بعد داعش

لم تقتصر نتائج سيطرة داعش على المنطقة على إغلاق المعبر فحسب، بل حدثت تغييراتٌ هامةٌ في بنية الحياة الاقتصادية لها؛ فتوقفت أولاً حركة بيع وشراء العقارات، نتيجة إغلاق المحاكم الرسمية في منبج والباب وجرابلس –كانت بعض المحاكم قد استمرّت في العمل بعد خروج المنطقة عن سيطرة النظام- والتي كانت توثق عقود البيع. إذ حصرت داعش عمليات التوثيق بالمحاكم الإسلامية التي افتتحتها، وهي محاكم لا تحظى بثقة السكان في توثيق معاملاتهم.
وفرض التنظيم قيوداً على جميع القطّاعات المهنيّة، تحت ذرائع مختلفة. فعمل على جباية الضرائب تحت بند الزكاة، فتوجّه إلى التجّار وأصحاب المهن المتوسّطة والصغيرة وفرض عليهم دفع نسبة 5،2 بالمئة من الأرباح السنوية التي تزيد على ما يساوي 100 غرامٍ من الذهب. وكان للباعة الجوّالين وعلى الأرصفة وغيرهم من صغار الكسبة نصيبهم أيضاً، فأجبر الكثيرون منهم على العمل في الأسواق والأمكنة الخاصّة التي حدّدها التنظيم لهم، في خطوةٍ عشوائيةٍ تذكّر بسلوك بلديات نظام الأسد.
ولا يقلّ الرسم الشهريّ المطلوب عن 3000 ليرةٍ سوريةٍ يدفعها الباعة الجوّالون وأصحاب "البسطات" في مدينة منبج التي خصّص التنظيم جزءاً من ساحتها العامّة كســوقٍ للـخضار، وأجبر الباعة على العمل فيها. ويبرّر عناصر داعش تدخلاتهم السافرة تلك بحرصهم على جمال المدينة والحفاظ على النظام فيها. ويؤكّد كثيرٌ من أصحاب المحلات التجارية على ارتفاع الرسوم والضرائب التي يُجبرون على دفعها، ويرون أنها جائرةٌ بالنظر إلى الركود. إذ يدفع بعضهم أكثر من ثلث أرباحه كضرائب ورسومٍ لداعش، بحسب ما يقولون.
وفُرضت رسومٌ خاصّةٌ على المنازل والعقارات وخدمات الماء والكهرباء. وحُدّدت 300 ليرةٍ ضريبةً سنويةً يدفعها المواطن عن كلّ غرفةٍ من منزله.
وبالرغم من تراجع سوق العقارات بشكلٍ عامٍّ، ارتفعت أسعار مواد البناء. فبلغ سعر طنّ الإسمنت نحو 102 دولار، أمّا طنّ الحديد فوصل إلى 650 دولاراً، مما يجعل تكلفة بناء غرفةٍ واحدةٍ تفوق مبلغ 600 ألف ليرةٍ، بحسب ما يقول عامل بناءٍ من مدينة منبج.