بين الحلول الإسعافية ودعوات لبناء بيوت بدل الخيام.. مخيمات المهجرين في الشمال السوري تغرق في كل شتاء

بعدسة الكاتب

خوفاً من المصير المجهول القادم مع كل شتاء، ورغبة في الاستقرار حتى لو كان بشكل جزئي، تتكرر الحلول المقترحة من قبل المهجرين أنفسهم الساعين لتحسين أوضاعهم المعيشية داخل المخيمات كل عام، مع تكرار الحالة الإنسانية الصعبة التي تتردى إليها أوضاع مخيمات المهجرين في الشمال السوري.

غالبا ما تظهر دعوات ومطالبات فردية لبناء مساكن صغيرة للمهجرين تقيهم البرد القادم، يرى فيها الداعون إليها الحل الوحيد لتلك الأوضاع مع استمرار الأزمة دون حل، إذ يحق للمهجرين أن يشعروا بحالة من الاستقرار لتنطلق معها حياة جديدة لهم، يفتقدونها في ظل حياة المخيمات التي تجعل من سكانها في الغالبية متكلين على مساعدات المنظمات غير المجدية أساساً، إلى جانب "محاولات عبثية" -كما يراها كثر- من قبل المنظمات والهيئات المشرفة والعاملة في تلك المخيمات لتحسين الأوضاع فيها؛ بينما يرى البعض في تلك المساكن ترسيخاً لحالة التهجير والنزوح، وبالتالي تدعيماً لمشاريع التغيير الديموغرافي التي سعى النظام وحلفاؤه للعمل عليها.

دخل الشتاء سريعاً هذا العام مع عاصفة مطرية شديدة، فوقع ما كان يخشاه وينتظره الجميع، فقد غرقت عشرات المخيمات بتفاوت، وتكررت الحلول الإسعافية العاجلة للإنقاذ: إعادة بناء الخيام "انتظاراً لعاصفة جديدة"، توزيع ألبسة وإغاثة وأغطية.. لم يكن هنالك جديد فالاستجابة نمطية متكررة، ومع تكرارها أصبح الجميع يعلم أنها غير ذات نفع، بينما انتشرت قبيل الشتاء دعوات بناء مساكن للمهجرين، وكان للدعوات وقتها نوعان:

الأول فردي طبق مباشرة من قبل أصحاب الخيام وعلى نفقتهم الشخصية من خلال بناء جدران داخل الخيمة ليبقى الشادر نفسه كسقف، إضافة لبناء مطبخ وحمام صغيرين، بتكلفة ما بين 300 و400 دولار، وبعيداً عن المخيمات على سفوح الجبال وعن مجرى الفيضانات كان لها أثر لابأس به في تخفيف معاناة الشتاء.

الثاني: ظل في طور الدعوات لبناء مساكن نظامية من قبل أفراد لهم خبرة في التصميم والبناء، من أصحاب هذه الأفكار الناشط محمود الدمشقي المهجر من جنوب دمشق منذ منتصف العام الفائت في مخيم دير بلوط، وعن المشروع يقول "قمت برفقة بعض أصحاب الخبرة بطرح مشروع بناء متكامل لمساكن صغيرة على إدارة المخيم، البناء يتكون من غرفتين وملحقاتها، بالإضافة لنظام طاقة شمسية، تكلفة البناء الواحد من 3000 إلى 5000 دولار، قابلة للتخفيض في حال اتبع النظام الطابقي فيها واستخدمت اليد العاملة من أبناء المخيم الذين في معظمهم يمتلكون مهارات متعددة تخدم هذا المشروع، لكن رد إدارة المخيم كان: ابحثوا عن منظمة تقوم ببناء المشروع وليس لدينا اعتراض عليه".

تداولت وسائل إعلامية المشروع، وتكررت دعوات تنفيذه دون أن يجد آذان صاغية، ويرى الدمشقي أن المشروع كان من الممكن أن يكون حلاً لكثير من المشاكل وأهمها مشكلة البطالة داخل المخيمات من عدة أوجه، "منها تشغيل أبناء المخيم في عملية البناء، ونتيجة الاستقرار سينتقل المهجرون إلى بناء مشاريعهم التجارية والحرفية الشخصية التي تتطلب يد عاملة متواجدة بكثرة داخل المخيم". وعن الاعتراضات التي تحيل الفكرة إلى مشروع التغيير الديمغرافي فيرد الدمشقي "حين نضع الإنسان في خيمة لا تقيه حرّ الصيف ولا برودة الشتاء، ونعزله عن العالم المحيط به في مخيّم من قماش يفتقد إلى مقومات الحياة الكريمة، فهذا هو التغيير الديمغرافي بعينه" .

وفي نفس السياق يتحدث محمد الأحمد مدير تجمع الخربة والزوف في إدارة شؤون المهجرين في "حكومة الإنقاذ"، عن مطالباتهم التي وجهوها إلى المنظمات لبناء مساكن للمهجرين، وقد رفضت جميعها بحجة عدم توفر الإمكانيات المادية لتنفيذ هكذا مشاريع، ويقول الأحمد "هذا الأمر دفع الكثير من الأهالي إلى الاعتماد على أنفسهم في بناء بعض خيامهم بشكل فردي وصلت نسبة البناء في مجمل المخيمات إلى 30%، هذا البناء البسيط جيد في الأوضاع العادية لكنه غير ذا نفع في مواجهة العاصفة، بلغت نسبة الأضرار في المخيمات أكثر من 60% و بدرجات متفاوتة من دمار كلي للخيام وتضرر المقتنيات الشخصية للمهجرين وتلفها. بعض المنظمات كان لها استجابات عاجلة لكن نمطية معتادة".

و في المقابل يرى بعض المهجرين أن هذه المشاريع ليست إلا تطبيقاً وفرضاً لواقع التهجير والنزوح، يرى محمد أمين (من مهجري جنوب دمشق) أنه في حال تطبيق هذه المشاريع سيذهب دور المهجرين كورقة للضغط على الدول في سبيل إيجاد حل فعلي "للقضية السورية"، ويتابع "خرج آباؤنا من الجولان السوري على أمل عودة سريعة، وبدأوا بتأمين أمور معيشتهم بأنفسهم في ظل غياب تام لدور النظام في ذلك الوقت؛ الآن تتكرر الحالة بعد خمسين سنة، بدأنا نرتب أمور معيشتنا كما فعل آباؤنا وفي ظل غياب تام لدور فعلي للمنظمات الدولية والإنسانية وعلى رأسها منظمات المعارضة، فهل المطلوب منا أن ننسى ما بناه آباؤنا في تجمعات النازحين في دمشق وما حولها كما سعى النظام لينسينا الجولان، وأن نقبل بواقع التهجير والنزوح الجديد إلى الأبد؟!"