بنوك الدم في شمال سورية:
حاجاتٌ كبيرةٌ وإمكانياتٌ قليلة

من صفحة الدم السوري الحر على الفيسبوك

القصف المستمرّ هو نقطة بداية معاناةٍ طويلةٍ للمصابين والجرحى، من أطفالٍ ونساءٍ ومسنّين وشبّان، في مناطق الشمال السوريّ. لا ينتهي الأمر بالخروج من تحت الأنقاض، لتتفاقم المعاناة في البحث عن المشافي والأدوية والأطباء، والحصول على وحدات الدم عند الحاجة إليها. وكانت هذه الحاجة الملحّة في المدن والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام دافعاً قوياً لبذل الكثير من الجهود لتأسيس بنوكٍ للدم، وإن بإمكانياتٍ ومعدّاتٍ بسيطة.

مظاهر مألوفة
يستهدف القصف المدنيين في الأسواق والتجمعات. وبعد كلّ مجزرةٍ يعلو صوت المؤذن، لا لرفع تكبيرات الصلاة بل لدعوة الأهالي إلى التبرّع بالدم، فترى العشرات يتقاطرون إلى النقاط الطبية أو إلى الأماكن المحدّدة في النداء، ليتمّ نقل الدم منهم في ظروفٍ غير صحيةٍ في أغلب الأحيان، ودون مراعاة أدنى شروط السلامة، من فحصٍ للدم وشروط تخزينه، بسبب الظرف الذي تعيشه أغلب المشافي والحاجة الملحة إلى الدم، مما يجعل القائمين على نقله يتجاوزون الكثير من الفحوصات التي يجب إجراؤها قبل ذلك. وهنا تبرز أهمية بنك الدم الذي يسهم في التغلب على النقص الحادّ في توافر الدم، وفي تخفيف عناء البحث عن الناس، ودرء مخاطر التبرّع المباشر دون أيّ فحص.

جهودٌ خجولة
أُسّست بنوكٌ للدم في مدنٍ ومناطق عدّة في شمال سورية، ومن أهمها بنكٌ في حلب الشرقية المحاصرة، تعرّض للقصف وخرج عن الخدمة في الآونة الأخيرة، وبنوكٌ أخرى في ريف إدلب، مثل بنك مدينة كفرنبل، وبنك مدينة سراقب، الذي لم يسلم من القصف هو الآخر، واللذان يخدمان ريف إدلب الشماليّ وريف حلب الغربيّ. وتعمل هذه البنوك على مدّ المشافي والنقاط الطبية بحاجتها من الدم ومشتقاته، مثل الركازة والكريات والبلازما وصفيحات الدم. وتؤمّن البنوك الدم من خلال جولاتٍ وحملات تبرّعٍ في المدن والبلدات والقرى، بالتنسيق مع الجهات الفاعلة في تلك الأماكن، من مجالس القرى والأحياء والنقاط الطبية والمشافي والمستوصفات. وللمراصد الميدانية دورٌ كبيرٌ في الحشد والحثّ على التبرّع بالدم من خلال توجيه نداءاتٍ متكرّرةٍ عبر الأجهزة اللاسلكية التي لا يخلو بيتٌ منها.

أبو أحمد (40 عاماً) قال لنا: «أتبرّع في بنوك الدم بشكلٍ دائم. عندما أسمع نداءً -عبر المآذن أو القبضات- أركب دراجتي وأذهب إلى المكان، فهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لأهلنا سواءً أكانوا جرحى أم مرضى. اليوم أنا متبرّعٌ ولربما في الغد أكون المتبرَّع له».

معدّاتٌ بسيطةٌ وتحدياتٌ كبيرة
بمعدّاتٍ بسيطة، ومستعملةٍ في غالبيتها، وصلت إلى البنوك المحدثة من بعض المتبرّعين والمنظمات؛ سخّر القائمون على هذا العمل طاقاتهم للقيام بمهمة قطاف وتخزين الدم، محاولين تطبيق معايير الأمان أثناء الحصول على دم المتبرّع والتأكد من سلامته. فبعد الحصول على الدم يعمل القائمون على تحليله للتأكد من خلوّه من الأمراض الإنتانية السارية، ثم فصله إلى مشتقاته كلٍّ على حدة، مثل الركازات والكريات والصفيحات والبلازما. يجري هذا العمل في ظروفٍ صعبةٍ جداً، ومعوقات استمراره كبيرة، أهمها القصف المتكرّر للمؤسسات الطبية، بالإضافة إلى نقص الخبرات وهجرة الأطباء، ونقصٍ كبيرٍ في المواد مثل أكياس الدم الفارغة، وصعوبة تأمين المعدّات المتطوّرة لفحص الدم، وأخرى لحفظه، وغلاء الوقود اللازم لمولدات الكهرباء الأساسية في البنك، وضعف سلسة التبريد خلال التنقل بين القرى، والافتقار إلى السيارات الجوالة خلال عملية قطف الدم، واستهداف الطيران الحربيّ المتكرّر للتجمعات البشرية مما يضطرّ البنك إلى تغيير مكان القطاف وعدم إطالة وقته؛ كل تلك الأسباب جعلت هذه المؤسسات عاجزةً عن تلبية الحاجة الكبيرة والدائمة للدم.

وقد التقت «عين المدينة» بالدكتور بدر رسلان، مدير بنك الدم في كفرنبل، للحديث عن التحديات التي تواجه عملهم، فقال إن أهمها صعوبة تأمين المواد المخبرية الغالية الثمن، ودفع أجور العاملين، وتأمين الديزل للمولدات، وتأمين سياراتٍ لنقل كادر البنك أثناء التنقل بين القرى والبلدات للقطاف.

تعدّ الحالات الإسعافية الناتجة عن القصف، الجوي والمدفعي، المستفيدة الأولى من بنوك الدم، ويأتي في الدرجة الثانية مرضى التلاسيميا وهم يحتاجون إلى نقل الدم بشكلٍ مستمرّ، بالإضافة إلى مرضى العمليات الجراحية المعتادة.

في ظلّ القصف المستمرّ لمناطق المدنيين أصبحت حياة عشرات الناس رهن زجاجة دمٍ واحدةٍ تمنحهم فرصة العيش من جديد، في ظلّ النقص الحادّ في المعدات والتحديات الكبيرة التي تواجه هذا القطاع الهامّ.