بلا غذاء كافي ولا خدمات وفي خيم من (النايلون).. سيواجه النازحون في المخيمات العشوائية بإدلب فصل الشتاء

صورة تُظهر الأوضاع السيئة للنازحين في أحد المخيمات العشوائية -التي تم إقامتها لإيواء النازحين من ريفي إدلب وحماة جراء هجمات الحلف السوري الروسي- في قرية أطمة بمحافظة إدلب على الحدود السورية التركية جراء العاصفة المطرية التي اجتاحت المنطقة مؤخراً، 19 كانون الثاني 2018 | بعدسة: محمد العبد الله - SNHR

يعاني النازحون في المخيمات العشوائية في محافظة إدلب من ظروف مأساوية، لافتقادهم إلى الحد الأدنى من شروط الحياة الطبيعية، جائعين تقريباً ولا تقيهم خيم النايلون التي يقيم فيها أكثرهم حر الصيف أو برد الشتاء.

تفتقد المخيمات العشوائية إلى معظم الخدمات الأساسية، فلا مياه شرب نظيفة ولا صرف صحي أو كهرباء، وبلا رعاية طبية، ما يجعلهم عرضة للإصابة بأنواع الأوبئة والأمراض المختلفة، فيما تبدو المنظمات الإنسانية بمعظمها عاجزة في حالات وغير مكترثة في حالات أخرى عن تقديم العون والمساعدة للنازحين.

مدير مخيم حفصة في ريف معرة النعمان الشرقي وأحد قاطنيه (فواز الكاتب) يتحدث لعين المدينة قائلاً: "في الصيف حريق أما في الشتاء غريق؛ نفترش التراب ونلتحف السماء في فصل الصيف، وتحيط بأطفالنا القوارض والأفاعي، أما في الشتاء الذي يحمل البرد والمرض فتزداد معاناتنا، ونكون معرضين لكل أنواع المصاعب".

ويضيف الكاتب: "لقد نزحنا من قرى سنجار بريف إدلب الجنوبي الشرقي نتيجة القصف العنيف من قبل طيران النظام وحلفائه أثناء السيطرة عليها، فلجأنا إلى بناء خيامنا شرقي معرة النعمان، وقد أصبح المخيم يأوي مايقارب 80 عائلة جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، يعانون من أوضاع اقتصادية شديدة السوء”.

ويوضح الكاتب بأن المخيم يفتقر لأدنى مقومات الحياة، حيث تعتبر مشكلة انتشار الأمراض على نطاق واسع من أهم المشكلات التي تواجههم، إضافة إلى نقص الأغطية وحليب الأطفال، وبعد المدارس والمراكز التعليمية، الأمر الذي أدى إلى ترك معظم الأطفال لمدارسهم والاتجاه نحو أسواق العمل.

العوز والفقر الذي رمى بهؤلاء النازحين إلى قارعة الطريق حرم أبناءهم من المدارس، فأغلبهم يعملون في التسول أو جمع المواد القابلة للبيع من مكبات القمامة، ومحاولة البعض تعلم صنعة تقيهم ذل الحاجة لفقدهم من يعولهم بسبب موت أو اعتقال أو إصابة حربية.

الطفلة (براءة) ذات الحادية عشرة عاماً من ريف حماة الشرقي، ضاع حلمها بعد أن اضطرت لترك مقاعد الدراسة، وعن سبب ذلك توضح بقولها: "كنت متفوقة في دراستي، وأتمنى أن أصبح معلمة وأسعى جاهدة لذلك، ولكن بعد وفاة والدي، ونزوحنا من قريتنا واستقرارنا في هذا المخيم، تركت المدرسة بسبب فقدان الأمان وتكرر حوادث الخطف."

أم محمد نازحة من قرية الشيخ بركة بريف إدلب فقدت معيلها في الحرب، وتقاسي الأمرين لتدبير لقمة العيش لأبنائها، محاولة أن تمنحهم شيئاً من وهج الحياة المفقود في أعينهم، وعن مرارة الترمل والنزوح تقول: "لدي خمسة أولاد، يعاني أكبرهم من شلل نصفي، لذلك لم تكن رحلة النزوح سهلة بالنسبة إلينا، فقد تركنا بيتنا وأرضنا وكل ما نملك، لتصبح الخيمة القماشية كل عالمنا، معرضين فيها لضربات الشمس والأمراض المتنوعة، كما حرم أطفالي من أبسط حقوقهم واضطروا للعمل رغم صغر سنهم لتأمين متطلبات الحياة الأساسية."

أصيب الطفل عبد الرحيم العوض واثنين من إخوته بمرض الليشمانيا داخل المخيم، وعن صعوبة الحصول على العلاج تتحدث والدته: "انتشر المرض في المخيم الذي نعيش به على نطاق واسع، وأصيب به ثلاثة من أولادي، وبسبب الإهمال والفقر وبعد المراكز الصحية ساءت حالهم، واستفحل المرض وأصبح من الصعب شفاؤه واختفاء أثره."

أما الخمسيني أبو حسين، أحد النازحين في مخيم حفصة، فيقول: "ليست المرة الأولى التي أنزح فيها مع عائلتي المكونة من عشرة أشخاص لنسكن في خيمة صغيرة، رغم أنني أعاني من أمراض كثيرة، وأضطر كل فترة للذهاب إلى المشافي والنقاط الطبية للحصول على الدواء، أما الخيم فهي مهترئة ولا يمكن لها أن تصمد أمام أجواء الشتاء، كما نحتاج في المخيم للحصول على حصة غذائية شهرية ثابتة إضافة إلى خدمات البنى التحتية كالصرف الصحي وتمديدات المياه وترحيل القمامة."

ويضيف بحزن: "أتمنى أن أعود إلى قريتي وأموت فيها، لكن النظام سيطر على منازلنا ولم يعد بإمكاننا العودة."

لكن آلاف العائلات خارج المخيم تضطر للنزوح المتكرر، دون أن تجد مكاناً يأويها، فتبقى في العراء أو تحت أشجار الزيتون، أو ضمن خيم مشتركة. فأبو عدنان من مدينة التمانعة بريف إدلب ينزح من بيته مع أسرته باستمرار إلى العراء وعن سبب ذلك يقول: "مع تصعيد القصف على البلدة أضطر للنزوح مع عوائل أبنائي، لنحط رحالنا بين الأشجار لعدة أيام ريثما يهدأ  القصف، فلا طاقة لنا على دفع بدل إيجار المنازل التي أصبحت معظمها باباً للاستغلال دون رحمة."

بقيت قصص النزوح على مدى سنوات الثورة تنتقل من مخيم لآخر دون أن تنتهي، وأصبح ملف النازحين الأكثر تعقيداً وإهمالاً -رغم استخدامه كوسيلة ابتزاز سياسي وإعلامي- في الوقت الذي تركوا لمصيرهم، يتنقلون من مكان لآخر بحثاً عن الأمان، ويجولون في جميع البقاع يحملون مايستطيعون من ثيابهم وأثاث منازلهم ليطلقوا عنان الرحال، كالمستجير بنار النزوح من رمضاء الحرب، دون أن يتحرك المعنيون للتخفيف من جحيم هذه المعاناة التي لم يكتب لها نهاية.