بعد عام في المنفى، مُهَجرو درعا يتفرجون على بلداتهم وهي تنحدر إلى حالة من الفلتان والاضطراب

AFP

مادلين إدواردز
21 تموز The Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي

الأخبار القادمة من البلد، بالنسبة لسوريي جنوب البلاد الذين دفع بهم هجوم الأسد قبل عام للرحيل إلى الشمال، هي دائماً أخبارٌ مثبطة وباعثة على اليأس.

عندما تعرّض والد هدى المسن لجلطة دماغية الأسبوع الماضي، لم يكن بوسعها فعل شيء يذكر، ولأنها كانت قلقة أن والدها لن يتلقى العناية اللازمة في بلدته في ريف درعا، فقد تاقت أن تكون إلى جانبه لرعايته، لكن هذا الأمر كان مستحيلاً لوجودها في مهجرها الذي يبعد عنه مئات الكيلومترات. تعافى والد هدى من إصابته، لكن العائلة تبقى متفرقة عبر شبكة من خطوط الجبهات ومناطق السيطرة، والأسبوع الماضي كان آخر مرة استطاعت التكلم معه هاتفياً.

 قبل عام، كانت بلدة هدى في درعا مسرحاً لهجوم عسكري خاطف شنته القوات الموالية للحكومة بهدف استعادة كامل جنوب البلاد من يد المتمردين، دامت المعركة أسابيع، وفي أثناء ذلك انتقلت هدى من بلدة إلى أخرى وهي تبحث عن الأمان برفقة أخيها وعائلته، وانتهى بها الحال أخيراً إلى أبعد ما استطاعت الوصول إليه هرباً من القوات الحكومية، أما والدها ابن الثمانين عاماً، فقد بقي في بيت العائلة مع إحدى بناته. 

كان ضعيفا يتناهشه المرض لدرجة أنه لا يستطيع السفر بسهولة، فلم يكن لدى هدى من خيار سوى ترك والدها، وقد سبق لها أن اعتقلت وسجنت على يد قوات الأمن الحكومية في سنوات الحرب الأولى، ودام اعتقالها 6 أشهر، وكان البقاء تحت السيطرة الحكومية المتجددة قد يعني الاعتقال ثانية، والمخاطرة بالاختفاء في شبكة السجون الحكومية المرعبة. لذا عندما نظمت الحكومة قوافل باصاتٍ للمقاتلين والمدنيين الذين اختاروا الرحيل، ذهبت هدى وأخيها مع تلك القوافل، وكانت الوجهة مدينة إدلب، التي كانت النقطة النهائية لعمليات الإخلاء القسرية من جيوب كانت تحت سيطرة المتمردين فيما سبق.

تقول هدى: "لم أكن أشعر بالثقة بالنظام."، في إشارة إلى سلسلة من اتفاقات المصالحات التي أبرمتها الحكومة في مدن درعا العام الماضي، والآن بعد مضي عام تتواصل هدى مع والدها عن طريق الهاتف، عادة مرة كل يوم أو يومين، وزيارته بالنسبة إليها حلمٌ بعيد المنال."لا أستطيع العودة"

المصالحات الهَشة في درعا

شهدت السنوات التي تلت اندلاع الاحتجاجات في محافظة درعا سيطرة قوات المتمردين على المحافظة، بينما كانت شريحة من الصحفيين المحليين والناشطين الإعلاميين توثق الأحداث، وقد حدثت في تلك السنوات عمليات قصف جوي ومعارك وموجات نزوح جماعية، مع ذلك، وبعد أكثر من ثماني سنوات على انطلاق الثورة، تعود المحافظة من جديد تحت سيطرة النظام، رغم أنها سيطرة هشة.

وشأن سكان ضواحي دمشق وحلب الشرقية السابقين، فإن أولئك الذين غادروا درعا يقتّرون في معيشتهم في منفاهم الداخلي في الشمال الغربي، كونهم غالباً عاطلين عن العمل ولديهم قلة من الأصدقاء من محافظتهم بجوارهم، لكن درعا كانت متفردة عن غيرها، فخلافاً لما حدث في أماكن كالغوطة الشرقية وداريا، سُمح لكثير من قادة المتمردين السابقين بالبقاء في مواطنهم عوضاً عن ركوب باصات الترحيل، وقد نتج عن هذا الأمر شبكة معقدة من السيطرة السياسية في الجنوب، مع حركة مقيدة واتصالات خاضعة لمراقبة مشددة.

منذ شهور وهذا السلم المتقلقل يترنح تحت الضغوطات، فبعض المسلحين يهاجمون الحواجز العسكرية ومنشآت حكومية أخرى، ويستهدفون شخصيات سياسية محلية بقصد الاغتيال.

مراقبة موطنهم عن بعد

أولئك الدرعاويون المنفيون إلى شمال غرب سوريا يتواصلون بشكل متقطع مع أفراد عائلاتهم وأصدقائهم الذين بقوا في درعا.

يعمل أحمد الحراكي محاسباً مع الدفاع المدني، وقد غادر مسقط رأسه في ريف درعا قبل عام، واستقر في بلدة أريحا الواقعة قرب مدينة إدلب. نادراً ما يتكلم أحمد مع أخته التي لا تزال تعيش في درعا، خشية أن تلفت انتباه قوات الأمن. يقول أحمد: "أتواصل مع أختي عن طريق الواتساب، لكن بدون إرسال رسائل صوتية، فقط رسائل نصية، الرسائل الصوتية واقعة تحت مراقبة النظام"، أما ذاك الشيء القليل الذي يسمعه عن مدينته فهو أمر مقلق: اعتقالات واسعة، مداهمات للبيوت في منتصف الليل، اغتيالات، جثث قتلى مرمية خارج بيوتهم.

نزح مروان (43 عاماً) العام الماضي إلى أريحا برفقة زوجته وأبنائه الأربعة، لكن ما زال لديه أقرباء في الجنوب، ويقلق على سلامتهم. يقول مروان: "نحن لا نتكلم في السياسة. منذ أسبوع تكلمت مع أبن أخي، وكان الحديث من نوع (كيف حالك؟ كيف صحتك؟) هذا كل الحديث".

يتذكر أحمد الحراكي معيشته في درعا كجزء من جماعة، بين جيران يحرص بعضهم على بعض ويمضون أوقاتهم سوية "هنا في أريحا لا نعرف أحداً، مع ذلك أفضل العيش تحت القنابل في إدلب على أن أكون عرضة للاعتقال في درعا"