بعد أربعة أعوام من سيطرة النظام.. ريف اللاذقية الشمالي ما زال بلا سكانه

يختلف وضع قرى وبلدات ريف اللاذقية الشمالي التي نجح النظام بالسيطرة عليها قبل حوالي أربعة أعوام عن باقي المناطق التي خضعت لسيطرته لاحقاً، من خلال طريقة تعامله معها ومع سكانها ممن نزحوا نحو مدينة اللاذقية، فلم يعمل على الترويج (لإعادة تأهيلها وإعادة الحياة لها) أو تشجيع سكانها للعودة إلى منازلهم كما فعل حتى مع مناطق أخرى، ففيها لا يوجد إلا الدمار والخراب كباقي المناطق، لكن مع غياب لمعالم الحياة.

عند زيارته لقريته (مزين) لعدة ساعات، والتي  تقع في جبل الأكراد، اصطدم محمد علي بالعديد من حواجز النظام والميليشيات الأخرى في الطريق، على الرغم من أنها لا تبعد إلا نصف ساعة عن مدينة اللاذقية، وفيها وجد عشرات العساكر والضباط من قوات الأسد والروس.

تعرض محمد لتفتيش كامل ومُنع من أخذ أي غرض معه، كما تم تحديد فترة زمينة له للعودة، ولا يزال مستغرباً وغير مدرك للأسباب التي تجعل النظام يمنع أهالي هذه القرى من العودة إليها والعمل على إصلاح منازلهم والاستقرار مجدداً، كما فعل في المناطق الآخرى التي سيطر عليها كحلب وحمص وريف دمشق؛ الغموض يلف الوضع في ريف اللاذقية -كما يرى- على الرغم من السيطرة عليه بشكل شبه كامل، بعد أن خاض النظام معارك دامت خمسة أشهر ضد قوات المعارضة وبمساندة برية وجوية روسية، مهجراً من بقي من سكانه نحو مناطق ريف إدلب الغربي أو نحو مدينة اللاذقية.

إجراءات مطلوبة

يتوجب على سكان قرى وبلدات ريف اللاذقية الشمالي كربيعة وسلمى وكنسبا أن يقدموا "طلب زيارة" إلى فرع الأمن السياسي في مدينة اللاذقية، ويمنع من عبور الحواجز أي شخص باتجاه قريته دون هذه الورقة التي تفصّل "هدف الزيارة". يقول محمد "طلبنا عدة مرات أن يسمح لنا بالبقاء عدة أيام لتقليم أشجارنا وحراثة أراضينا علنا نجني محصول هذا العام، لكن دون أي جدوى؛ ممنوع دون معرفة الأسباب أو وجود مبرر مقنع"، موضحاً أنه قام بتقديم طلب قبل شهر لزيارة القرية، ونجح بالحصول عليه بعد عدة أيام من الانتظار والإجابة على عشرات الأسئلة والتحقيق، وحصل عليه مع شروط بالعودة في اليوم ذاته، وعدم التصوير أو التجول في المنطقة.

أضاف أن كافة الأهالي الذين نزحوا عن قراهم نحو مدينة اللاذقية يرغبون بالعودة إلى منازلهم ليعملوا على إصلاحها، "فالمعارك انتهت"، لكن عند رؤيته لمنزله وقريته أصابه خوف شديد "لا حياة ولا ماء ولا كهرباء، ودمار وانتشار لعناصر النظام ودورياته. مصير مجهول لأبناء هذه القرى ولا أمل بالعودة".

أسباب عسكرية

يرجح معظم الناشطين والعسكريين في الريف أن السبب الأساسي الذي يدفع النظام إلى جعل هذه القرى مناطق خالية من السكان هو تحويلها لمناطق عسكرية، فهي "خط الدفاع الأول بالنسبة للقرى الموالية للنظام ونقطة الالتقاء بينهم وبين قوات المعارضة"، لذلك يعمل على تحصينها بشكل جيد، وتحويلها لمناطق عسكرية يمنع دخول المدنيين إليها.

يوضح مدير مركز سلمى الإعلامي وسيم شامدين لعين المدينة؛ أن النظام "لا يرغب بكشف أسراره العسكرية في هذه المنطقة، وما يقوم به من أعمال مختلفة كتحصين أو نقل أسلحة وذخائر وآليات عسكرية إليها، فضلاً عن مراكز تجمعات قواته وعناصره- أمام سكانها المعروفين بطبيعة الحال بمعارضتهم له"، مرجحاً أن من يسمح لهم بزيارة منازلهم هم من أبناء المنطقة المتنفذين والمحسوبين على النظام ويعملون لصالحه، لكن رغم ذلك يقيدهم بشروط كثيرة ولا يترك لهم حرية التصرف في مناطقهم. 

يلعب التواجد الروسي في الساحل دوراً كبيراً في وضعه، فجميع القرارات الرسمية التي تصدر فيه تعود لأوامر روسية، لذلك يعتبر البعض منعهم من العودة إلى مناطقهم بقرار روسي ليس للنظام أي دور فيه، وبحسب مصدر عسكري في المعارضة فإن وجود القرى في منطقة حدودية مع تركيا، وطبيعتها الجبلية التي جعلت النظام والروس يبذلان جهداً كبيراً في السيطرة عليها جعلهما يخشيان من أي تواجد للعنصر البشري فيها، بسبب ما قد يشكله ذلك من شبح استعادتها من قبل الفصائل العسكرية المعارضة. 

يشار إلى أن قوات المعارضة نجحت في السيطرة على أجزاء واسعة من قرى جبلي الأكراد والتركمان بريف اللاذقية الشمالي نهاية العام 2012، وبقيت تخضع لسيطرتها حتى أواخر العام 2015، قبل أن يتدخل الروس للقتال إلى جانب النظام وتشن ميليشياته حملة عسكرية واسعة عليه، تزامناً مع قصف جوي طال مختلف القرى والبلدات ومراكز العمل المدنية والعسكرية فيها والمشافي والمدارس.