الورشات الصغيرة في إدلب.. نساء يتحدَّين البطالة وظروف الحرب

الصور بعدسة الكاتبة

بعد أن ضاقت بها السبل نتيجة الفقر والنزوح وقلة فرص العمل، استطاعت الأربعينية خالدية الرؤوف أن تبني مشروعها أخيراً، فأنشأت ورشة لكبس التين المجفف بمساعدة ١٥ امرأة من الأرامل والمعيلات اللواتي وجدن في الورشة ضالتهن ومصدر رزق يغنيهن عن الحاجة والسؤال.

 مع استمرار الحرب السورية حتى عامها العاشر، توقفت الكثير من المعامل والمصانع والورشات عن العمل في إدلب وشمال غرب سوريا، بعد هجرة الصناع الباحثين عن الأمان والحياة الأفضل، ليحل محل هؤلاء أشخاص بسطاء ونساء معيلات عمدوا إلى إنشاء ورشات عمل صغيرة تمكنهم من تحدي ظروفهم القاسية.

 تقول خالدية إن مشروع كبس التين المجفف لم يكلفها الكثير من المال، وإنما برأس مال بسيط غطى أجرة المكان وبعض آلات الكبس البدائية، فغدا لديها مشروعها الخاص في مدينة سرمدا. وتضيف أن العمل ضمن الورشة هو دوام يومي يبدأ من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الواحدة بعد الظهر.

بدأت الرؤوف مشروعها مع بداية موسم التين العام الماضي ٢٠٢٠، ويتضمن عملها مع النسوة العاملات في الورشة تخزين التين وتعقيمه بشكل يحمي المنتج من الرطوبة والحشرات، حيث توافد إليها العديد من التجار وأصحاب الأراضي الذين أودعوا لديها مواسمهم ومشترياتهم من التين المجفف لفرزه وكبسه وتحضيره للبيع والتصدير.

 تشرح الرؤوف خطوات عملها، بأنها تقوم مع العاملات في الورشة بعملية تبييض التين، بوضعه ضمن أحواض من الماء مضافة إليها مواد مبيضة لتزيل عنه كل الشوائب، ثم يعرض التين بعدها للهواء الطلق مباشرةً لتجفيفه تماماً، وهنا تبدأ مرحلة فرز التين بحسب الجودة، ليدق ضمن قوالب متنوعة ومتعددة الأحجام بشكلها ووزنها النهائي، بسعة نصف أو ربع كيلو غرام، ثم تغلف قوالب التين وتعد للتصدير بثلاثة أنواع، هي البياضي أو ما يسمى الزهرة والنوع الثاني يقال له الوسطي أما الثالث أو المنخفض الجودة فيدعى القرقوش أو العلفي، بحسب الرؤوف. 

ردينة طعمة (٣٠ عاماً) هي إحدى العاملات في ورشة التين تقول لـ“عين المدينة“ إنها وجدت في عملها بالورشة فرصة عمل جيدة تساعدها على تحمل الأعباء الكثيرة الملقاة على عاتقها، وخاصة بعد وفاة زوجها تاركاً لها أربعة أولاد تجهد في تربيتهم وإعالتهم، مؤكدة أن العمل في الورشة بسيط ومسلٍ، كما أنه لا يحتاج إلى خبرات أو شهادات أو واسطات.

 ورغم عدم وجود أرقام معلنة أو إحصائيات رسمية أو شبه رسمية لعدد مثل هذه المشاريع الصغيرة في إدلب وشمال غرب سوريا، فإن وجودها بات لافتاً بشكل لم يعد فيه خافياً على أحد من سكان المنطقة، ويظهر حجم الإصرار في إنشاء تلك المشاريع واستمرارها بسبب التكلفة التشغيلية البسيطة، إذ لا تتجاوز تكلفة افتتاح مشروع التين ٥٠٠ دولار أمريكي، وينطبق الرقم على غيرها من الورشات الصغيرة المتعددة، التي صارت توفر فرص عمل للكثير من النساء المعيلات، وسط ظروف بالغة الصعوبة تسودها المخاطر الأمنية والنزاع المستمر، وقلة فرص العمل وعدم استقرار الأسعار التي باتت في تصاعد مستمر نتيجة عدم استقرار قيمة الليرة التركية المتداولة بكثرة في المنطقة أمام الدولار الأمريكي.

في مدينة سلقين اختارت سارة الفارس (٣٥عاماً) إنشاء ورشة لصناعة الألبان والأجبان، وعن هذه الورشة تقول إنها لم تستورد آلات  حديثة ومتطورة وإنما عمدت إلى إنشاء مصنع برأسمال صغير، ورغم عمل الورشة بطرق تقليدية قديمة وبدائية، غير أن النتيجة كانت مهمة جداً كما وصفتها، خاصة بعد إقبال أصحاب المحلات والمستهلكين المباشرين على شراء منتجاتها، نتيجة جودتها وطعمها الطبيعي البعيد عن كل أنواع المنكهات أو المواد الحافظة والكيميائية.

 أما حميدة منديل (٣١عاماً نازحة من خان شيخون) فاعتمدت على دراستها في الفيزياء والكيمياء لتتجه إلى صناعة أنواع متعددة من المنظفات ضمن ورشة صغيرة أقامتها في مدينة إدلب تضم تسع عاملات، وتقول إنها تؤمن المواد الأولية من تركيا وأحياناً يتوفر قسم منها محلياً، لتبدأ بإنتاجها بكميات وفق الطلبيات المتاحة، مشيرة إلى الإقبال الجيد على شراء منتجاتها من قبل التجار وأصحاب المحلات، خاصة وأنها ”تبيع المنتج بأسعار منافسة وبجودة عالية“.

ووفق تعبيرها، فإن ما دفعها إلى هذا العمل هو طموحها بتحسين دخلها المادي، كون عملها في التدريس لا يؤمن لها ربع احتياجات  عائلتها من جهة، ورفد المنطقة بالمنتجات المحلية وتوفير بعض الفرص للنساء الباحثات عن عمل في هذه الظروف الصعبة من جهة أخرى.

 وتلخص المنديل الصعوبات التي تواجهها في عملها بصعوبة تأمين المواد الأولية في ظل انعدام الأمن وانقطاع الطرق، وهو ما يؤثر في كثير من الأحيان على الإنتاجي، يضاف إلى ذلك السمة غير المنظمة للمشاريع والورشات الصغيرة التي تجعل منها محط أنظار أقل بالنسبة إلى التجار مقارنة مع الشركات الكبيرة والماركات المشهورة.