النازحون المنسيون في مخيم الركبان على حافة الجوع والمجهول

مخيم الركبان - خاص عين المدينة

تتصاعد معاناة النازحين في مخيم الركبان في بادية الشام على الحدود مع الأردن، في ظل حصار خانق يفرضه النظام وحلفاؤه من جهة والسلطات الأردنية التي أغلقت الحدود قبل عامين من جهة أخرى، ما قد يمهد لحدوث كارثة انسانية وشيكة.

    بين مخيمات النازحين في الأراضي السورية، يعدّ الرگبان “الأسوأ” على الإطلاق، لوقوعه في منطقة صحراوية تنعدم فيها مقوّمات الحياة، ويُعاني قاطنوه، الذين يُقدر عددهم بأكثر من سبعين ألفاً، من حصار النظام السوري والأردن. ولم يغب المخيم عن الدعاية والتصريحات الرسمية الروسية التي زعمت تحول قاطنيه إلى "رهائن ودروع بشرية لحماية المسلحين".

العقيد مهند الطلاع، قائد "جيش مغاوير الثورة" وهو الفصيل الرئيسي العامل في التنف على مقربة من المخيم، والتي تحميها قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، شرح لعين المدينة أن "المخيم كان محل تفاوض بين الروس والأمريكيين، لم ينتج عنه تفاهم مشترك".

ظل المخيم يتلقّى مُساعدات غذائيّة وطبيّة تدخل عبر قوافل أمميّة من الأردن، حتى أغلقت الأخيرة حدودها، بعد تفجير أحد مخافرها في حزيران 2016، بحجة تواجد "إرهابيين" ضمنه، فتقلّصت نسبة المساعدات خلال العامين الماضيين لتبلغ 3 % فقط عما كانت عليه قبل إغلاق الحدود، ودخلت آخر قافلة أمميّة إليه عبر الأردن في شهر نيسان الماضي.

من جهتها توقفت المساعدات الإنسانيّة الخاصّة بالصليب الأحمر الدولي، بعد إغلاق طريق الضمير المؤدي إلى المخيم  في حزيران الماضي بشكل كامل؛ ما عقد طرق التهريب على تجار المواد الغذائية، ورفع من قيمة الإتاوات والرشاوى التي يدفعونها لحواجز قوات النظام، لترتفع بالمحصلة أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلاً في المخيم، وتبلغ أثماناً باهضة لا يقدر عليها إلا قلة من نازحي المخيم، كذلك ارتفعت أسعار المحروقات ووصل سعر ليتر البنزين إلى 2000 ليرة والكاز إلى 1500 فيما انقطع المازوت نهائياً، حسب ما يقول عبد الله مدير شبكة البادية 24 المهتمة بأخبار المخيم.

يُعاني السكّان من وضع صحّي سيء للغايّة، مع انتشار العديد من الأوبئة والأمراض، وحالات التسمّم الغذائي، وخاصةً بين الأطفال مثل: الكوليرا والسلّ واللشمانيا بسبب شُح المياه وتلوّثها؛ دون أن يحتوي المخيم على أطباء أبداً. فيدير نقاطاً طبيّة منتشرة فيه كادر تمريضي، منهم من اكتسب خبرة إسعافية فيه، ومنهم خريجو مدرسة التمريض، وسط نقص المواد الطبيّة والأدويّة و اللقاحات والتطعيم. ويسبب تراكم القمامة والجور الفنيّة -لغياب الصرف الصحّي-، انتشار أمراض الإسهال والإقياء بين الأطفال، حيث سُجّلت أربعة آلاف حالة، و250 إصابة باليرقان خلال مدة 45 يومًا. كذلك تتعرّض النساء الحوامل لحالات إجهاض نتيجة فقدان الرعايّة الصحيّة، وتنحصر إمكانية إجراء الولادات القيصرية والتدخل الجراحي في مشافي الأردن، وفقًا للناشط الإعلامي عماد أبو شام، العامل في نقطة طبيّة في المخيم.

لا تتوقف معاناة سكان المخيم على المشاكل الصحية، بل تمتد إلى مشاكل اجتماعية متنوعة، كان أبرزها تفكك الأسر بشيوع ظاهرة الطلاق، بسبب تردّي الأوضاع المعيشيّة وانعكاساتها داخل الأسرة، حيث تولد الضغوط المعيشية المتراكمة على الزوج، بتأمين مستلزمات الحياة اليومية، أزمات بين الزوجين.

تقول "أم خالد": إنَّ أصعب ما يُواجه النساء النازحات من المدن والأرياف هو العيش في بيئة صحراويّة، وما يستدعي من ممارسات لم تعتدن عليها، مثل (صناعة الخبز)، حيث لم يفتح فرن في المخيم سوى منذ نحو عام؛ وظلت بعض العائلات لا تستطيع شراءه، مما يضطر النساء لشراء الطحين وصنعه بأنفسهن، لتوفير بعض النقود. قسم من النساء تمكّن من التعايش مع الواقع، لكن أخريات وقعن تحت صدمات نفسيّةٍ.

في جانب التعليم، بلغ عدد الأطفال في مرحلة التعليم الأساسي 21 ألف طفل، وتبين ضخامة الرقم -إلى عدد قاطني المخيم- أي معاناة تقع على عاتق الأمهات، في وقت لا يخضع أطفالهن للتعليم إلا بشكل بدائي لعدم توفر مستلزماته.

لم تفلح المحاولات والمناشدات  المتكررة للمسؤولين الأممين في تحسين أوضاع المخيم المحاصر، وكان آخرها آب الماضي، حيث حذّر مدير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (جون غينيغ) من مغبّة "استمرار الحالة الإنسانيّة المعقّدة والصعبة في مخيم الركبان"، مطالبًا المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل.

يقول عماد أبو هشام، وهو ناشط طبي في المخيم، إن عشرات العائلات اضطرت لمغادرته عائدة إلى القريتين ومهين وتدمر الخاضعة لسيطرة النظام، بما يحمله ذلك من مخاطر على حياة وسلامة أفرادها، بسبب الظروف المأساوية في المخيم.

حتى الآن لم يتغير الرأي العام المحلي في المخيم برفضه أي "مصالحة" مع النظام، حسب ما يقول أبو هشام، ويطالب سكان المخيم بنقلهم إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، وخرجوا بمظاهرات عدة في المخيم تطالب المجتمع الدولي بالتدخل ورعاية نقلهم إلى الشمال، لكن لم يجدوا آذاناً صاغية؛ في حين تجري عمليات تهريب فردية للشباب فقط، عبر مناطق سيطرة (قسد) ثم إلى الشمال، وهي خطرة جدًا، وهناك من لقي حتفه إثر وقوعه في كمائن للنظام قرب تدمر والمحطة الثالثة في البادية.