المنح التركية جمعت المعارض والمؤيد على مقعد دراسي واحد!

طالبة سورية في جامعة غازي عنتاب

يترقب الطلبة السوريون الباحثون عن "الخلاص" نتائج "المنح الدراسية" التي لجأوا إليها، والتي باتت "ورقة الرهان الأخيرة" في حياتهم، لحمايتها من "تجنيد احتياطي مباغت" أو "وضع اقتصادي مجهول الهوية"، بعد أن باتت "البطالة تنهش النخب من الأكاديميين"

حتى صار لزاماً على الطالب السوري زيارة "إيميله" وتحديثه لمرات كثيرة يومياً، خوفاً أن "يتيه موعد مقابلة أو منحة في الطريق"، ليرتبط نصف حياتهم بزيارة بريدهم الإلكتروني، أما نصفها الآخر فبالتقديم على كل المنح الدراسية، وفي كل البلدان.

وعلى مبدأ "منقدم شو خسرانين"، يقول مصطفى "لا أذكر عدد الجامعات والمنح التي تقدمت إليها، ولكنها كثيرة جداً، أحياناً يأتيني رد لاستكمال أوراق معينة أو اعتذار، أنتظر دقائق ثم أبحث في المراسلات علّي أذكر طبيعة المنحة ومكان الجامعة".

تنشر الجامعات والمنظمات التي تقدم منحاً دراسية تعداد طلبات المتقدمين للدراسة في برنامجها وعدد المقبولين فيه، إذ تقدّم، الجامعات التركية على سبيل المثال، تعهدات بمنح تعليمية لـ 20 ألف طالب، من أصل 135 ألف طالب تقدموا للحصول عليها، هذه السنة، معطية الأولوية للسوريين، حسب ما يقول مسؤولون في دائرة المنح التركية (Turkiye'nin Burslari).

بعد موافقة المنحة على المتقدم، عليه أن يجري مقابلة، غالباً ما تكون في بيروت بالنسبة للسوريين الذي يسكنون مناطق سيطرة النظام، لتبدأ رحلة مشقة جديدة. فأثناء مقابلة أجرتها في المركز الثقافي بغرض الالتحاق بالمنحة التركية العامة، تروي لينا 28 عاماً (القادمة من دمشق): «حال عقلي آنذاك كانتهاء فترة البث التلفزيوني تماماً.. منهكة، لكن سؤال الموظف عن ما إذا تعرضت لمضايقة من الأمن العام اللبناني أثناء قدومي صعقني!»

تتابع لينا مستذكرةً تفاصيل المقابلة: «استرسل الموظف في طلبٍ يفترضني مراسلة لإحدى القنوات المؤيدة للنظام السوري، أغطي خلالها ما جرى في عرسال صيف عام 2017، فموقفي السياسي بقي مبهماً لديه، ما استدعى إطالة مدة مقابلتي إلى 35 دقيقة، رفضت الإجابة، عاود طلبه بتغطية الحدث كمراسلة لإحدى القنوات التي جعلت من انقلاب 15 تموز فريسة لها، لكني رفضت إجابته مجدداً، فأنهى المقابلة بجملة "قناة TRT بانتظارك!".

على المقلب الآخر، بعد أن عكفت أميمة. د 28 عاماً في كل جدلٍ سوري طوال سبع سنوات، تؤكد دعمها لسياسة الأسد وحربه ضد "الإرهاب"، اختصرت إجابتها قائلة: "خلينا نحط الموقف السياسي على جنب، ونشوف مستقبلنا بمنح أردوغان"، تكمل: "راسلت كل المنح المقدمة من روسيا وإيران والصين، لكن لم أحظَ بقبول حتى اللحظة"، لتستنتج "ما قيمة موقفي السياسي! لم يقدر موقفي تأمين منحة أو ظروف أستكمل فيها دراستي دون سفر".

في حين يرى أحمد. ب 26 عاماً ماجستير هندسة عمارة، أحد الطلبة الملتحقين بالمنحة التركية، أن الكذب لضمان القبول في المنحة ممكن، فما الذي يمنع المؤيد لنظام الأسد من المراوغة لضمان مقعد له إلى جانب الطالب المعارض في الجامعات التركية، يتساءل: "ألا يمكن اجتراح حل بفرض مفاضلة مغايرة للطلبة المؤيدين في حال قبلوهم في المنح الدراسية؟"

في الوقت الذي طال الفرز السياسي في سوريا قطاع المنح الدراسية أيضاً، لتكون دول روسيا والصين على قائمة الدول المفضلة للطلبة المؤيدين لنظام الأسد لاستكمال دراساتهم فيها- تحدثت (عين المدينة) مع أحد المسؤولين في (Turkiye'nin burslari) متحفظاً عن ذكر اسمه، عن إمكانية قبول المنح للطلبة المؤيدين للنظام السوري للدراسة في تركيا، فشدد على أن معيار قبول الطلبة قائم على "خبراتهم العلمية"، إضافة إلى "السوية المعيشية المتردية"، مشيراً إلى قبول سوريين متقدمين من دول أخرى للالتحاق بالمنحة.

وحول عدد الطلبة المقبولين من مناطق سيطرة النظام مقارنة بالمعارضة، في الوقت الذي تعاني فيه الكوادر التدريسية في جامعات المناطق المحررة من نقص في الكادر التدريسي، فضلاً عن غلاء أقساط استكمال الدراسات العليا فيها، لتصل إلى 4000 دولار أمريكي لطلبة الماجستير و6000 للدكتوراه، اكتفى المسؤول في المنحة بـ"لا تعليق".

حينما ابتدأ قبول الطلبة السوريين في العام 2015 كان ذلك في 8 جامعات حكومية بولايات جنوب البلاد، ثم أخذت قاعدة قبول الطلبة في الاتساع، ليجد السوريون مكاناً لهم في 13 جامعة تركية، تصنَّف ضمن أفضل ألف جامعة على مستوى العالم. ثم ليعلن مجلس التعليم العالي التركي العام الماضي عن استكمال 15 ألف طالب سوري في جامعات ضمن 81 ولاية، ما يشير بالضرورة إلى قدرة الطالب السوري على إثبات تفرده العلمي فيحظى بمقعد جوار الطالب التركي.