المقاهي الشعبية لم تعد موجودة في إدلب .. وزبائنها متبرمون ببسطات الإكسبريس والكافتيريات

بائع إكسبريس في إدلب

 ألغت التطورات المختلفة التي شهدتها إدلب دور المقهى الشعبي في الحياة العامة، وأكملت المقاهي الحديثة إزاحتها بأساليب لم تقتصر على طريقة التصميم والخدمات التي تقدمها، إنما استبدلت معها أجواء المقهى العتيقة، فغابت أحاديث الألفة والفن والسياسية، ولم تعد تقدم النراجيل ولا الشاي الخمير، كما لم تعد تشاهد جرائد ورقية.

كأس شاي خمير بلون مائل للون الكرز، ورائحة احتراق معسّل النرجيلة مع أصوات قرقعتها المختلطة بأنغام فيروز، وضجيج الحاضرين: "هات شاي لهون، وطاولة زهر".. تلك هي صفات المكان الذي يفتقده "مؤيد الشامي" منذ وصوله إلى محافظة إدلب ٢٠١٦.

 مؤيد (٢٧ عاماً) اعتاد احتساء قهوته في إحدى بسطات الإكسبريس، "هنا تشرب القهوة على عجل، لا يمكنك التكلم بصوت مرتفع، كما لا يتسع المكان لأكثر من طاولتين"، بخلاف المقاهي القديمة.

أغلقت المقاهي القديمة في إدلب أبوابها تدريجياً، وحلّت مكانها سيارات الإكسبريس والبسطات المنتشرة على أطراف الشوارع الرئيسية والساحات العامة، كما باتت محلات العصائر والمشروبات ضمن خيارات الشباب للأماكن التي يقصدونها لقضاء أوقاتهم.

 في مقاهي الإكسبريس لا يتسع المكان لأكثر من طاولتين تحيط بهما أصوات ازدحام الأسواق أو ضجيج السيارات، "هنا لا يمكنني الجلوس طويلاً، المكان غير مريح، ولا يمكنني القراءة أو التحدث إلى الأصدقاء بشكل جيد“.. قال عدنان (٣٤ عاماً) وهو يجلس بقرب إحدى سيارات الإكسبريس التي تحمل في صندوقها جهاز صنع القهوة سريعة التحضير وتشكل نواة المقهى.

 تابع عدنان الذي يتعجل التدخين بما يسمح له وقت المكوث في مقهى متنقل: "أحياناً يحتاج المرء لمجالسة الناس والاستماع لأحاديثهم، والمقهى القديم كان هو الوحيد الذي يوفر هذه الأجواء".

إلى جانب مقاهي الإكسبريس انتشر ما يمكن تسميته بالمقاهي الحديثة "الكافتيريا"، وفيها تدوي بتقطع أصوات ماكينات صنع قهوة حديثة، والخلاطات الكهربائية، بدلاً عن أصوات قرقعة النراجيل والموسيقا، وفيما عدا ذلك تسود أجواء الهدوء التي يتخللها أحياناً همس بعض الأحاديث، وصوت اصطدام كرات البلياردو، إذ باتت بعض هذه المحلات تقيم لزوارها -وهم في الغالب من فئة الشباب- قسماً خاصاً للألعاب (الفيشة والبلياردو وبلايستيشن).

 يسود في جو الكافتيريا ما يقترب من "الخصوصية"، بينما تتصف المقاهي الشعبية بانعدامها لصالح جو من الألفة، وعبر ازدحامها بالزبائن يتواصلون بسهولة، ويتم تعارفهم دون مراسم على "فنجان قهوة، أو لعبة زهر“. وتتنوع فئات الرواد بين شيوخ وشباب، لتزجية الوقت والتواصل واللهو وتبادل الأفكار والاطلاع على الأخبار.

يتذكر حمزة (أحد سكان مدينة إدلب) الساعات التي كان يقضيها بإحدى مقاهي إدلب وسط المدينة، قبيل تحريرها من قبضة النظام ٢٠١٥، "كان بالقرب من ساحة الساعة وسط المدينة مقهى، وفي شارع الجلاء مقهى قديم بناؤه حجري". وقد أغلق مقهى شارع الجلاء المعروف باسم "الجنينة" أبوابه منذ عامين تقريباً، وتحول إلى محل مأكولات غربية، أما مقهى ساحة الساعة فقد تحول إلى محلات لبيع الألبسة المستعملة "بالة".

 يقول "حمزة" الذي كان أحد زبائن مقهى الجنينة: "قديماً كان المقهى يقدم المشروبات الكلاسيكية مثل القهوة والشاي والزهورات بالإضافة إلى النرجيلة، ولكن بعد تحرير إدلب وقبيل إغلاقه، أضاف مشروبات جديدة وألغى النرجيلة، وأصبح أقل ازدحاماً".

 عقب تحرير إدلب تحدثت مواقع إخبارية عن قيام عناصر منجيش الفتح“ -الذي شارك في معارك التحرير- بتكسير معدات عدد من المقاهي "النراجيل ومعداتها"، وإحراق مستودعات من الدخان؛ "لا تزال هذه الحادثة عالقة بذهني، قال "أبو محمد" الذي يملك مقهى إكسبريس وسط سوق إدلب، ويوضح أنهلا يوجد قرار رسمي بمنع المقاهي والنراجيل، لكن هناك خوف مبطن، وقيود تظهر على شكل حملات دعوية كجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" .

تتنافس المقاهي الحديثة على تحسين جودة المشروبات، وقطع الكيك، وبعض الوجبات الخفيفة "الإندومي والمعجنات" التي تقدمها، ويتميز بعضها عن البعض الآخر بفخامة المقاعد الجلدية والطاولات الدائرية وواجهات البلور.

 بينما كانت المقاهي تشتهر بقدم تصميمها وحجارتها العتيقة، والطاولات الصغيرة الحديدية التي يجتمع حولها الأصحاب شيوخاً وشباب، كل مع "الشلة" من لاعبي الطرنيب إلى محترفي الشطرنج، وجماعات أخرى تضم أساتذة ومثقفين، الذين توفر لهم بعض المقاهي أعداد الجرائد والنشرات اليومية والمجلات المنوعة.