المعارضة السياسيّة الضعيفة
أسبابٌ... وتاريخٌ... واقتراحات

أصدرت مجموعة الأزمات الدوليّة تقريراً جديداً عن الشأن السوري، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعنوان «أيّ شيء إلا السياسة: وضع المعارضة السياسية السورية»، رصدَ تجربة الائتلاف الوطني وأسباب ضعفه وطرق تقويته.

في سعيه لتحديد المقصود بالمعارضة السياسية التي يتحدّث عنها، لا يغفل التقرير عن هيئة التنسيق الوطنيّة وتيار بناء الدولة السورية و«المعارضة» من داخل الحكومة، التي مثلها قدري جميل وعلي حيدر؛ إلا أنه يقصر بحثه على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كمظلّةٍ عريضةٍ احتوت المجلس الوطني السوري السابق، ثم انضمّ إليها معارضون آخرون بالتوسعة.
ويبــــدأ التقـــــريــــر بالقــــول إنه إذا صـــــار مـــن المألوف انتقاد هذه المعارضة بسبب انقساماتها وصراعاتها الداخلية، فإن هذه العيوب تبدو طبيعيّةً أو حتميّةً في ظلّ الظروف الذي رزحت تحتها هذه المعارضة. فقد أدّى القمع المديد لا إلى نقص الخبرات السياسيّة فقط، بل إلى افتقار المعارضة إلى وسائل جديّة تمكّنها من تحديد ثقلها الفعلي في الشارع، الذي من المتعذر أصلاً أن يقوده طرفٌ واحدٌ الآن، في ظلّ انتفاضةٍ شعبيةٍ يهيمن عليها أبناء الضواحي والمناطق الريفية، وفي ظلّ تعدّد الجهات الخارجيّة المؤثرة وتضارب إشاراتها. مما أدى إلى اتخاذ المعارضة السياسية موقفاً سلبياً بانتظار الحلول المقدّمة من الآخرين، سواءً بتدخلٍ عسكريٍّ غربيٍّ مباشرٍ كان مأمولاً، أو بالتفاوض السياسي بين الولايات المتحدة وروسيا، أو بتقدّم الجماعات المعارضة المقاتلة، والتي لا تدين بولاءٍ ذي بالٍ لهذه المعارضة السياسية.
فعندما منح النشطاء في البداية ثقتهم للهيئتين اللتين أنشئتا في الخارج، المجلس الوطني ثم الائتلاف، فإنهم لم يعبّروا بذلك عن تأييدهم لسياسةٍ معيّنة تمثلها هاتان الهيئتان أو بعض أفرادهما، بل منحوهما اعترافاً تمثيلياً كتعبيرٍ دبلوماسيٍّ عن الثورة، مهمّته حشد الدعم لها. ولما أخفقت هاتان الهيئتان في هذه المهمّة الأصليّة بشكلٍ كبيرٍ، إذ كان المأمول لدى الكثيرين هو تدخّلٌ دوليٌّ للإطاحة بالنظام أو لحماية المدنيين، على غرار ما حدث في ليبيا؛ فإن شرعية هذا التمثيل أخذت بالتآكل في الداخل، وصار يتمّ الاستعاضة عنها تدريجياً بشرعيّةٍ مستمدّة من الخارج، وباعتراف الدول والسياسيين في الغرب والمحيط الإقليمي.
ولأن معظم أعضاء الائتلاف أفرادٌ لا يمتلكون التأثير الكافي والصلات الواسعة على الأرض، فقد دفعهم ذلك إلى اتخاذ مواقف متشّددة طلباً للشعبيّة في الشارع، أو مواقف نابعة من توجهات الدول الداعمة للكتلة التي ينتمون إليها. وليست حال هيئة الأركان العامة بأفضل من ذلك، فهي بحسب التقرير «شبكةٌ مفككةٌ لتوريد وتوزيع الأسلحة، تفتقر إلى القدرة على تنسيق الأنشطة حتى بين المجموعات التي تقع نظرياً تحت مظلتها»، ناهيك عن الأطراف التي لا تعترف أصلاً بالأركان، مثل أحرار الشام والفصائل الإسلامية. فالملاحظ أن الدول الداعمة لا تلتزم بتوحيد سبل الدعم وضبطه عن طريق الائتلاف أو الأركان، وكثيراً ما يقدّم الداعمون، وبعضهم أفرادٌ أو جماعاتٌ، المال والأسلحة مباشرةً لأحد الأطراف المقاتلة، مما يجعله يستقلّ، بهذه النسبة أو تلك، عن القرار الموحّد للائتلاف أو أركان الجيش الحرّ.
فصار من أهم الأسباب التي عقّدت جهود المعارضة غيابُ التنسيق بين الداعمين الإقليميين وتنافسهم. وإن أول طرق تقوية هذا الجسم الضعيف هي تنسيق الدعم بتبني إطارٍ مشتركٍ لتمويل قوات المعارضة المسلحة، وتشكيل محورٍ أكثر تماسكاً لها، يفرض قواعد سلوك صارمةٍ وفق استراتيجيةٍ عامة. بالإضافة إلى تعزيز الخدمات في المناطق المحرّرة، مثل تقديم الغذاء أو غيره من المساعدات الإنسانيّة، وإعادة تفعيل العمليّة التعليميّة، وضمان حدٍّ أدنى من سيادة القانون والنظام.