المرضى النفسيون في إدلب يبحثون عن العلاج عبر الإنترنت.. ومختصون بسبب قلة مراكز العلاج والخوف من نظرة المجتمع

istockphoto

لم تقتنع سلام "32 سنة من إدلب" بأساليب العلاج النفسي المتبعة في مناطق شمال غربي سوريا، ما دفعها إلى البحث عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن مختصين بالعلاج النفسي على أمل الحصول منهم على علاج ينفعها.

سلام واحدة من العديد من المحتاجين لجلسات علاج نفسي في شمال غربي سوريا، والذين يلجؤون إلى العلاج عبر الإنترنت مجبرين على ذلك، نتيجة قلة أعداد العاملين في هذا المجال من ذوي الاختصاص، أو تخوفهم من نظرة المجتمع للمريض النفسي، ما يضعهم أمام احتمالية تردي حالتهم النفسية إذا لم يتمكنوا من التواصل مع ذوي الاختصاص وأهل الخبرة، أو في حال تناولوا أدوية نفسية بناء على وصفة قد يقدمها شخص غير مختص.

تقول سلام أنها لم تخض تجربة العلاج لدى أحد المختصين في المنطقة نتيجة عدم ثقتها بجدوى العلاج لدى أخصائي العلاج النفسي في الداخل السوري، برأيها تلك التجربة محفوفة بالخطر طالما لم تثق بالطرف الآخر. "العلاج النفسي يعتمد على الثقة أولاً؛ أنا لا أستطيع أن أخطو هذه الخطوة قبل أن أمتلك الثقة المطلوبة التي تمكنني من الإفصاح عما في داخلي للمعالج".

بدأت معاناة سلام مع الأمراض النفسية منذ ثلاث سنوات نتيجة عدة صدمات متلاحقة، وشخص الأطباء الذين زارتهم مرضها بالاكتئاب الحاد، وصفوا لها دواء "ميوتيفال"  لكن حالتها لم تتحسن.

تتابع سلام أنها لم تتأثر بتجارب الآخرين في العلاج النفسي، لكنها أيضاً لم تسمع بتجارب ناجحة، وهو ما منعها من التجربة.

أحمد شاب عشريني من مدينة حماة يعيش في إدلب، لجأ إلى صفحات الإنترنت باحثاً عن حل لمشكلته، بعد أن عجز عن إيجاد حل لها عند أحد الأطباء العامين ولم يجرؤ على مراجعة طبيب النفسي. طرح مشكلته على إحدى المجموعات العامة وتحدث عن إحدى محاولات الانتحار التي خاضها، وحصل في منشوره على جملة كبيرة من التعليقات والنصائح، لكنها في غالبها لم تكن من مختصين، ما يعني أنها لن تقدم علاجاً لمشكلته ولم تكن سوى "حقن مهدىء تزول بعد ساعات من قراءتها"، أفضلها كان من نصحه بمراجعة طبيب نفسي.

العلاج أون لاين

حاجة الناس في شمال غرب سوريا إلى الطب النفسي شجعت بعض المهتمين في القطاع الصحي على إنشاء مركز للعلاج النفسي عبر الإنترنت في تركيا بهدف تقديم خدماته لسوريي الداخل. حمل المركز اسم "العلاج النفسي أون لاين" ويتبع للرابطة الألمانية السورية (DSV) غير الحكومية التي تأسست عام 2011 من قبل مغتربين سوريين وألمان بعد اندلاع الثورة السورية، وفق من تحدثت إليهم عين المدينة من فريق المركز.

وفي الحديث عن المشروع بينت إيمان رزاز وإسماعيل الكلزي من فريق المركز، أن خدماته تصل لنحو ثمانين شخصاً شهرياً من السوريين الموجودين في شمال غرب سوريا عبر تقديم خدمات الصحة النفسية على مستوى الإرشاد النفسي لأصحاب الحالات بسيطة الشدة. وعلى مستوى العلاج النفسي للمستفيدين الذين يعانون من اضطرابات وصعوبات تعرقل جوانب حياتهم، ثم يتعامل الطبيب النفسي مع الحالات التي تحتاج دواء أو الحالات التي بها خطورة على النفس أو الغير.

يخصص المركز "مدراء حالة" من كلا الجنسين مراعاة لرغبات المستفيدين حسب رزاز والكلزي، ثم يتم التواصل معهم عن طريق أرقام برنامج "واتساب" أو "التيمز"، ثم  تحدد مواعيد لإجراء التقييم الأولي حيث تؤخذ المعلومات الأولية مثل العمر، الجنس، الحالة الاجتماعية، "مع عدم التركيز على الاسم الفعلي للشخص حفاظاً على خصوصيته وتحويله إلى المختص".

يبرر الفريق غيام المركز فيزيائياً عن شمال غرب سوريا بصعوبة التنقل بين وكلفته العالية، لكن الأهم هو "الخوف من الوصمة الاجتماعية تجاه المرض النفسي والذي يدفع كثيرين عن الامتناع من طلب الخدمة".

وتابعت الرزاز في حديثها لعين المدينة عبر برنامج واتساب، أن التدخل الدوائي يتم عبر أدوية آمنة وغير إدمانية، في حين "توصف الأدوية الأقل أمناً للحالات الأكثر استبصاراً بمرضها، ولا خطورة من قبلها في إيذاء النفس أو الانتحار أو سوء الاستخدام".

الحاجة على الأرض أكبر من المتاح

في مدينة سرمدا شمالي إدلب تستقبل وحدة الصحة النفسية مرضاها ضمن عدة أقسام، وهي المركز الوحيد المختص بعلاج الحالات النفسية ومتابعتها. يحتوي على وحدة الاستشفاء الداخلية والعيادات الخارجية والعيادات المتنقلة بحسب حسام شلاش المدير الإداري للمركز.

وأوضح شلاش أن وحدة الاستشفاء الداخلية تستوعب عشرين سريراً، وقد تستمر مدة الإقامة في الوحدة الداخلية لثلاثة أسابيع كحد أقصى، ويتم القبول فيها وفق معايير يتم تحديدها من قبل الطبيب المقيم، بينما تستقبل العيادة الخارجية مرضاها بشكل يومي من الساعة التاسعة حتى الثانية ظهراً، وتضم طبيباً نفسياً إضافة لصيدلية وفريقاً متخصصاً بتقديم المشورة.

تضم الوحدة عيادتين متنقلتين بطبيب وعمال دعم نفسي، إلى جانب "فريق Help Line" لتقديم الاستشارات النفسية الهاتفية عبر الهاتف، مكون من مرشدين نفسيين أحدهما للرجال والثانية للنساء، إضافة للخط الساخن للاستجابة لحالات الانتحار، كما شرح شلاش.

الحرب ضاعفت الحاجة

حالة الحرب التي عاشتها إدلب والصدمات المتلاحقة التي تعرض لها السكان ضاعفت من الحاجة للعلاج النفسي في هذه المنطقة. يقول أخصائي الصحة النفسية أحمد عرفات: "تعرض كثير من الناس لصدمات مباشرة عبر فقد أقارب أو معيلين أو عبر مشاهدة لقطات عنف مباشرة، إضافة لعملية التهجير والنزوح، وساهمت تلك الظروف بخلق حالة من الضعف النفسي خلفت مشكلات نفسية".

يقسم عرفات الخدمات النفسية إلى قسمين؛ الأول وقائي ويمكن تقديمه لجميع الفئات كون الحرب تركت آثارها على الجميع، أما الثاني فيشمل الخدمات العلاجية الموجهة للأشخاص الذين ظهرت لديهم مشكلات واضحة وبدأت تظهر ملامحها على سلوكهم اليومي وطريقة تفكيرهم.

ويتابع عرفات "تحتاج الخدمة العلاجية لمختصين بدرجة أكبر، لكن عدد الأطباء النفسيين وخريجي الصحة النفسية والمرشدين النفسيين قليل مقارنة مع الحاجة. تمت الاستعاضة أو محاولة تلافي النقص بعمليات التدريب لبعض الأطباء على منهج رأب الفجوة، إذ يخضع الطبيب العام لتدريبات تتعلق بالصحة النفسية بحيث يستطيع التعامل مع الأشخاص الذين قد يزورون المستوصفات أو النقاط الطبية".

وعن انتشار ظاهرة العلاج عن بعد، يقول عرفات أن محاولة الوصول للعلاج عبر الإنترنت أمر شائع ويعود إلى قلة المختصين ونظرة المجتمع، ما يدفع البعض للبحث عن أساليب تراعي خصوصيتهم وأسرارهم.

وقلل أحمد من مخاوف أو مخاطر العلاج عن بعد في حال كان المريض يتواصل مع مراكز مختصة وجهات مسؤولة، بينما قد تكمن الخطورة في حال كان التواصل مع أشخاص ضعيفي الخبرة. لكنه رجح نجاعة العلاج وجهاً لوجه بشكل أكبر، لأن "المعالج يمكنه مراقبة ردود أفعال المريض والعلامات الفيزيائية التي تظهر على وجهه، ما يمنح المعالج صورة أوضح عن الحالة".

ويرى من التقيناهم من الناشطين والمتابعين لحياة الناس اليومية في إدلب، أن حالات الانتحار المتكررة باتت تعطيهم مؤشراً واضحاً على ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية بشكل أكبر عبر إقامة ندوات تثقيفية للمجتمع عن أهمية هذه العلاجات، وعبر توعيتهم لضرورة التوجه للمختص مباشرة لضمان الحصول على العلاج قبل تفاقم المشكلة.