الكارثة السوريّة... بالأرقام

صدر تقرير «هدر الإنسانية» مؤخراً، ليرصد الظروف الاقتصادية والاجتماعية في سورية في النصف الثاني من عام 2013. وهو من إعداد باحثي المركز السوريّ لبحوث السياسات، بدعمٍ من برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

ويخلص التقرير إلى أن سورية تواجه واحدةً من أكثر الكوارث التنموية والإنسانية حدّةً في التاريخ الحديث؛ فقد دُمّر الاقتصاد، ورأس المال البشريّ والثقافيّ والاجتماعيّ، فضلاً عن التخلخل الذي أصاب الهوية الوطنية. وتغوّلت العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لخدمة أهداف القوى المتسلطة المحلية، المدعومة خارجياً، باستخدام العنف والترهيب. وتم إقصاء معظم السوريين عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية وعن امتلاك قرارهم، وأصبحوا رهائن ظروفٍ فقدوا التحكم بها تدريجياً. وأدى هذا الانحدار الاقتصاديّ والاجتماعيّ إلى هدر حياة الناس وإنسانيتهم.
فقد استمرّ تدهور الاقتصاد خلال المدّة المذكورة للرصد والبحث، فوصل معدّل الانكماش إلى 38،2% خلال الربع الثالث من عام 2013، مقارنةً مع الربع ذاته من العام السابق. وقد كانت القطّاعات التي طالتها الخسارة هي، وعلى ترتيب درجة التضرّر: التجارة الداخلية، وقطاع النقل والاتصالات، وقطاع الصناعة الاستخراجية، والصناعات التحويلية، والخدمات الحكومية، والزراعة. وقد شهد الاستهلاك الخاصّ، الذي يمثّل مقياساً مباشراً لرفاهية الأسر، انكماشاً بمعدّل 22،5% في العام 2012، مقارنةً مع 2011. وبمعدّل 25،5% في الربع الرابع من 2013، مقارنةً مع نظيره من العام السابق. وأجبرت الأسر على تغيير نمط استهلاكها، لتركز على أكثر السلع والخدمات حيويةً، بعد أن أصبحت غالبية السوريين من الفقراء عام 2013، ودخل جزءٌ كبيرٌ منهم في حالة الفقر المدقع. وبعد فقدان مصادر الدخل ونفاد المدّخرات، صار المصدر الرئيسيّ للدخل عند مئات آلاف الأسر هو الدعم الاجتماعيّ والتحويلات المباشرة وغير المباشرة.
كما تعدّ الزيادة الاستثنائية في النفقات العسكرية الرسمية (النظام) جزءاً من الخسارة الاقتصادية، بما أنها تعيد تخصيص جزءٍ من موارد الموازنة التي كانت تنفق في الخدمات العامّة، بما في ذلك التعليم والصحّة، إلى إنفاقها على السلاح والأمن. وبما أن الشفافية في هذا المجال غير متوافرة، فقد اعتمد الخبراء على تقديراتٍ تقول إن النفقات العسكرية للنظام ازدادت بما يعادل 1،7% من الناتج المحليّ الإجماليّ عام 2011، و11% عام 2012، و15،9% عام 2013. عدا عن النفقات العسكرية للمعارضة المسلحة، والتي لم تحتسب في هذا التقرير.
أما من النواحي الاجتماعية فإن النزوح من مختلف أرجاء سورية، وخاصةً من المناطق الساخنة الكثيرة، هو أكثر العناصر وضوحاً. فبحلول نهاية عام 2013 وصل العدد الإجمالي للاجئين السوريين في الدول المجاورة إلى 2،35 مليون شخص، في لبنان، والأردن، وتركيا، والعراق، على التوالي. إضافةً إلى ذلك، فإن إعادة تشكيل الخارطة الديمغرافية داخل سورية كانت عميقةً جداً، مع نزوح ما يقارب 5،99 مليون شخص داخل البلاد حتى نهاية 2013، وهو ما يشكل ثلث السكان وقتها.
ويبدو الفقر العنصر الثاني من حيث الأهمية. وقد وصل معدّله الإجمالي إلى 75،4% في نهاية عام 2013. ويختلف هذا المعدّل بين المحافظات بشكلٍ ملحوظ، فيبلغ ذروته في إدلب 83%، كما تعاني محافظات دير الزور وريف دمشق والرقة من معدّلات فقرٍ مرتفعة، وسجّل أقلّ معدّلٍ له في اللاذقية 65%، تليها السويداء والحسكة وطرطوس على التوالي. إلا أن غالبية سكان هذه المحافظات يعانون من الفقر أيضاً.
وقد أدّى ارتفاع حدّة العمليات العسكرية، وحالات الحصار في مناطق عديدةٍ، إلى زياداتٍ هائلةٍ في الأسعار، وإلى ندرة السلع الأساسية، ولا سيما الغذاء. وقد انعكس ذلك بشكل زيادةٍ حادّةٍ في نسبة الفقر المدقع، وصلت إلى 20% في نهاية 2013. وتظهر التقديرات أن حوالي ثلث السكان في محافظتي إدلب ودير الزور يعانون من الفقر المدقع، وربع سكان محافظتي حلب ودرعا، بينما يقع تحت خطّه حوالي 7% من سكان محافظات اللاذقية وطرطوس ودمشق.
كما يواجه قطّاع التعليم كارثةً كبرى. ففي نهاية عام 2013 أعلنت وزارة التربية في دمشق أن ما يناهز 4000 مدرسةٍ في مختلف أرجاء سورية أصبحت خارج الخدمة، إما لتضرّرها أو لاستخدامها كمراكز لإيواء النازحين. وقُدّرت نسبة عدم التحاق الأطفال بالمدارس بـ 51،8%، مع حالةٍ من عدم المساواة بين المناطق، إذ بلغت 94% في الرقة و90% في حلب. واحتلت سورية المرتبة 135 من أصل 136 في معدّل الالتحاق بالتعليم، لتكون بذلك ثاني أسوأ بلدان العالم أداءً تعليمياً.