الطلاق المبكر .. ظاهرة تنتشر في مخيمات الشمال السوري

سارة ابنة ريف حمص الشمالي، التي هُجِّرتْ إلى إحدى مخيمات الشمال السوري منذ عام، وتزوَّجت بعد وصولها بأشهر، ولم تكن تجاوزت بعد الـ 15 ربيعًا، فشل زواجها بعد مرور شهرٍ واحد على الزفاف.

يبدو أن التسرع في إتمام الزواج أصلاً سبب الطلاق المبكر، إذ لم يأخذ الزوجان وقتهما الكافي في التعارف. يجمل أحد المطلعين على شؤون مخيمات الشمال لعين المدينة، قصة سارة بأنَّ "ذنبها أنها شقيقة لخمسة أيتام هي أكبرهم"، وبسبب الحالة المادية المزرية للأسرة وافقت الأم على تزويج ابنتها، دون أن تأخذ الإجراءات وقتها الكافي من الأخذ والردّ والدراسة، وكانت النتيجة الطلاق بعد الزفاف بشهر واحد، إذ أنَّ الشاب لم يكن على قدر المسؤوليَّة كونه صغير السنِّ كذلك، ولم يكن يملك عملًا، فعادت الفتاة -أو بالأحرى الطفلة- لخيمة والدتها بمستقبل مجهول.

يؤكد ناشطون ومطلعون على شأن المخيمات لعين المدينة، أنَّ سارة ليست الوحيدة بين أترابها، فقصتها تكرَّرت ولا تزال تتكرَّر في مخيمات الشمال، ولعلَّ أبرز أسباب انتشار ظاهرة "الطلاق المبكر للمتزوجين حديثاً" -كما يلخص كثر- هي اختلاف العادات والتقاليد بين سكان المخيمات، وعدم المعرفة الكافية بين الشاب والفتاة، ويُعبّر عن الأمر عادة بجملة "الزواج المادي" أو "زواج المادة".

وإزاء العوامل التي تُسبّب هكذا حالات شرح أحدهم بأن "العوامل يُمكن حصرها في نوعين، الأول عوامل تخصُّ وعيَ المجتمع وثقافته الاجتماعية، والثاني عوامل اقتصادية، بمعنى فقر أهل الفتاة الذي يضطرهم لتزويج ابنتهم عند أول طارق بغض النظر عن تبعات ذلك، وبغض النظر عن أهلية الشاب لأنْ يُدير أسرة وشراكة زوجية، أضف إلى ذلك أنَّ تسهيل أمور المهور وتبسيطها ساعد في انتشار هذه الظاهرة بحيث أصبح الشاب يستسهل هذه الخطوة، ويُقدم عليها دون تحمُّل أدنى عبء أو مسؤولية".

كثرت حالات الطلاق بعد انتشار ما يسميه البعض بالزيجات العشوائية وغير الطبيعية، خاصة في العامين الأخيرين عندما تم تهجير جميع المناطق المحاصرة في الجغرافيا السوريَّة، ما أدى إلى حدوث اكتظاظ سكاني غير طبيعي في المخيمات وفي وجهات النزوح، نتج عنه انتشار ظاهرة "الزواج السريع وغير المدروس"، وبالتالي نتج عنه "طلاق بعد أشهر أو أسابيع أو أيام"، حسب محدثنا الذي أضاف أن "هذه الظاهرة هي شائعة في كل مخيم، وليستْ في أحدها دون غيره، وتتم كثير من حالات الطلاق بشكل سرِّي من قبل ذوي الطرفين، لكن يُمكن القول بأنَّ المعدل الشهري لعدد حالات الطلاق في المخيم الواحد هي ثلاث حالات، وأحياناً تزيد عن هذا الرقم، ولكن يستحيل أنْ تقل".

وحسب وجهة نظر الأكاديمي محمود دياب، وأحد المطلعين على شؤون قاطني المخيمات الشخصية، فإنَّه بشكل عام يُوجد تقصيرٌ من قبل مؤسسات المجتمع المدني التي تُعنى برعاية المرأة وتثقيفها وحمايتها اجتماعياً، لأنَّ "هذه المؤسسات تستطيع الوقوف بوجه مثل هكذا زيجات من شأنها أنْ تُدمِّر المستقبل الأسري للفتاة، ولكن غياب دورها جعل الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام توقع حدوث أيّ مصير سيء، مثل أنْ يُضحي بها والدها أو أسرتها تحت ضغط الفقر والعوز".

وعن أسباب الزواج المبكر قال المحامي عبد الغني شوبك لمجلة عين المدينة: إنَّ أبرزها "الخوف من المجهول، والأعباء المادية، وضعف أو انقطاع التعليم والتوعية، والخوف من الارتباط من رجل أجنبي الجنسية". أما أسباب الطلاق المبكر، فبيّن شوبك أنَّها تعود إلى سرعة اتخاذ قرار الزواج دون السؤال عن الزوج ومحيطه وبالعكس أيضاً، خاصة عندما يكون التعارف إلكتروني عن طريق وسائل التواصل، وإلى حالات عدم التقارب. "تأتيني حالات فيها الزوجة ملتزمة ومنقبة وزوجها يشرب الكحول، ما يدلُّ على عدم مناسبة الطرفين لبعضهما البعض، وهذا يُسفر عن وقوع مشاكل في الحياة الزوجية تنتهي بإيقاع الطلاق من قبل الزوج دون تروِّي بسبب عدم تسجيل عقد الزواج لدى جهة رسمية" حسب شوبك، حيث يكون العقد عن طريق شيخ أو من يدعي أنَّه كذلك، ما يؤدي إلى عدم إلزام الزوج بالمهر بسبب عدم وجود قوة إلزامية تلزمه بدفع الدين المترتب في ذمته لزوجته.

واستدرك المحامي أنَّ الزوجة هي من يطلب التفريق غالباً، إذ يُريد الزوج أن يُعلِّق الزوجة دون تطليقها، وهنا تبدأ دوامة الزوجة من أجل الحصول على طلاقها، فتذهب إلى شيخ كي يُطلقها فيرفض عادة لأنَّه ليس مخوّلاً، "لكن هناك ممن يسمّون أنفسهم شيوخ يُطلقها كأنَّه قاضي، وهذا لا يجوز شرعًا وقانونًا، وليس لها طريق سوى تثبيت زواجها، ومن ثم طلب التفريق لدى القضاء في مناطق سيطرة النظام أو في مناطق سيطرة المعارضة، وهذا مكلف عليها فتبقى معلقة لحين أن (يحدث الله بعد ذلك أمراً)".