السويداء.. سوريا الأسدية مصغرة بعصابات وحزب ومخابرات ورجال دين

لم تخرج محافظة السويداء عن سيطرة نظام الأسد، ما يجعلها تُمثّل، إلى حدٍّ كبير، صورة مصغرة لمستقبل الدولة السورية إذا باتت تحت حكم النظام مرة أخرى، وقد يُلخص تنوع الميليشيات والولاءات والتوجهات فيها، إلى حد ما، بعض ما يمكن مُلاحظته في أي منطقة أخرى يسيطر عليها النظام، أو سيسيطر عليها لاحقاً. ورغم أن المحافظة لم تشهد عمليات قتل جماعي وتهجير ممنهج واعتقالات بالجملة مثل كثير من المحافظات الأخرى، إلا أنها تمثّل نموذجاً للآلية التي يُمكن أن يتّبعها النظام في حكم الدولة التي تُدير أجزاءها مجموعات مسلحة قد لا تخضع لسلطته الكاملة، إلا أنه يستطيع أن يخلق لها مصالح تتطلّب وجوده، ولو بصورة شكلية.

تشهد السويداء، وطوال السنوات الماضية، فلتاناً أمنياً في ظل انتشار مجموعات قادرة على امتلاك السلاح، وسباق أجهزة الأمن التابعة للنظام وحلفائه على تجنيد مزيد من أبناء المحافظة في صفوف ميليشيات تتبع للأمن العسكري وأمن الدولة والمخابرات الجوية، وأخرى تُعرف بتبعيتها لحزب الله اللبناني أو لإيران بشكل مباشر، عدا عن وجود مجموعات مسلحة محلية أنشأت نفسها من الواقع الذي فرضته (ضرورة وجود سلاح بيد الجميع).

ووثّقت شبكة «السويداء 24» المعنية برصد أخبار المحافظة خلال شهر نيسان الفائت، 15 حادثة قتل، بمعدل قتيل كل يومين، إضافة لـ 18 حالة خطف أو اعتقال، بينما يبلغ عدد القتلى المُوثقين منذ بداية العام الجاري وحتى بداية أيار نحو 44 قتيلاً إضافة لـ 42 جريحاً، بمعدّلٍ يُشير إلى مقتل شخص وجرح آخر كل ثلاثة أيام، فيما بلغ عدد حالات الخطف والاعتقال الموثقة خلال الفترة نفسها 113 حالة، بمعدّل حادثة خطف أو اعتقال كل يوم تقريباً.

هذه الجرائم ترافقت مع بدء ظهور علامات التفكك في المجتمع المحلي، وغياب واضح لكثير من القيم الإنسانية والاجتماعية، حيث رصد ناشطون من السويداء خلال الفترة الماضية تزايداً بأعداد جرائم القتل التي ارتكبها مدنيون بحقّ أقارب لهم، من بينها حالات لأبناء قتلوا آباءهم، كما حدث في ريف شهبا الشرقي وفي قرية سالي وغيرها.

وأشار البعض أن الفلتان الأمني لم يعد يقتصر على عمليات القتل والخطف العلنية، وإنما شمل انتشار عدد من المقاطع المصورة التي تُظهر تعذيب مُختطَفين بأساليب وحشية لطلب فدية من أهاليهم، تتراوح بين بضعة ملايين ومئة مليون ليرة سورية، لافتين إلى رصد نحو عشر حالات تعذيبٍ مصورةٍ منذ بداية العام الحالي، من بينها قطع إصبع أحد المختطفين للضغط على ذويه.

كون السويداء خاضعة بشكل كامل لسيطرة نظام الأسد، فالعصابات المنتشرة فيها لا يُمكن إلا أن تتبع له، سواء بشكل مباشر، أو تربطها صلات مع أجهزته الأمنية، ما يُتيح له أن يكون المُتحكم الأساسي بجميع الأحداث، التي قد يبدو بعضها أنه يضعف سلطته ويُقوّضها، إلا أنها في الحقيقة تُثير خوفاً متزايداً لدى الأهالي من انتشار الفوضى أكثر في حال غياب النظام، ماانطبع على المطالبات المتكررة، سواء في الأحاديث العامة أو عبر التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تنتقد غياب «الدولة» أو غياب «الأجهزة المختصة» ما يحمل رغبات ضمنية بتدخل هذه الأجهزة أكثر، كما يحمل في الوقت نفسه إقراراً بعدم قدرة المجتمع المحلي، الذي بات مفككاً بشكل واضح، على إدارة شؤونه بنفسه.

ولم يُفوّت النظام أي فرصة للترويج لتلك الفكرة باستغلال رجال الدين، وهو ما استجاب له «شيوخ العقل» في السويداء، وهم السلطة الدينية الأعلى في المحافظة، عبر توزيع بيان يقضي بضرورة «التصدي لأعمال الخطف والسلب والسرقة والتعاون مع مؤسسات الدولة والجهات المعنية لفرض هيبة الدولة».

كل ذلك بالتزامن مع فتح الطريق أمام عناصر من تنظيم «داعش» لتنفيذ عمليات في ريف السويداء الشرقي، حيث أعدم التنظيم ثلاثة مواطنين من ريف دمشق في منطقة الكراع شرق السويداء، كما اعتقل اثنين من أبناء محافظة درعا أثناء عودتهما من مخيم الركبان في البادية السورية، إضافة لاعتقاله ثلاثة مدنيين في بداية آذار الماضي، بينما يعتبر البعض أن هذه العمليات ليست سوى رسائل يُحاول النظام إيصالها لأبناء المحافظة حول أهمية وجوده كحامٍ لهم من التنظيمات المُتطرفة.

هذه السياسات، التي مارسها النظام طوال السنوات الماضية، لم تقتصر على السويداء، ولكنها سياسات يمارسها بشكل يومي في جميع المناطق التي يشعر أن سيطرته فيها غير مستقرة أو مُهددة، فالفوضى والفلتان الأمني والخوف الذي يمكن أن ينتشر جراءهما بين المدنيين، تشكل جميعها أُسساً يعتمد النظام عليها لإيهام الأهالي بضرورة وجوده، وهي تُشابه إلى حدّ بعيد عمليات الاغتيال التي يُتّهم النظام بالوقوف وراءها، سواء في درعا أو إدلب أو سواها، لخلق حالة من الفوضى تدفع للشعور بعدم الأمان في المناطق المحررة، وتُفسح المجال في الوقت نفسه لبعض التابعين له في تلك المناطق لترويج مثل هذه الأفكار بشكل أكبر، بحجة أن حكم النظام أفضل من حالة الفوضى وانعدام الأمن تحت جناح الفصائل.