الدول الكبرى تبرم الاتفاق النوويّ مع إيران ومعارك الزبداني على أشُدِّها

تصدّر توقيع الاتفاق النوويّ بين إيران والدول الخمس الكبرى + ألمانيا المشهد السياسيّ في الأيام القليلة الفائتة. وفي غضون ذلك؛ كانت المعارك بين الثوّار وميليشيات النظام المرتبطة بإيران على أشدّها في جبهاتٍ عديدةٍ على الأراضي السورية.

الاتفاق النوويّ بين تفاؤلٍ وتشاؤم

أثار توقيع هذا الاتفاق عاصفةً من التحليلات والتعليقات حول الدور الإيرانيّ المقبل، وفيما إذا كانت الاتفاقية ستسهم في تغيير سياسات طهران في المنطقة عموماً وفي سوريا على وجه الخصوص، وسط تباينٍ لمواقف الدول حول الاتفاق. إذ استقبل المعسكر الإيرانيّ التوقيع بارتياحٍ مبالغٍ فيه، دفع برأس النظام السوريّ إلى وصفه بـ"الانتصار العظيم"، في رسالة تهنئةٍ بعثها إلى المرشد الخامنئي والرئيس الإيرانيّ حسن روحاني. فيما أبدت العديد من الدول، وعلى رأسها السعودية، "قلقها" لأن الاتفاقية لم تشتمل على مناقشة الدور الإيرانيّ في "زعزعة استقرار المنطقة"، ما يعكس شعوراً عاماً بالغبن من الموقف الدوليّ المتساهل، إلى حدٍّ ما، مع تمدّد طهران في كلٍّ من سوريا ولبنان والعراق واليمن خلال السنوات الماضية. لكن، بالمقابل؛ يبدو من المبكّر جداً إطلاق الأحكام على الاتفاق الذي حرصت تصريحات مسؤولي الدول الغربية المشاركة فيه على تأكيد أنه "ليس مبنياً على الثقة بإيران بل على التحقيق والمراقبة"، كما صرّح الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما، وكرّر رئيس الوزراء البريطانيّ ديفيد كاميرون، الذي أضاف: "لسنا ساذجين. ونعلم أن النظام الإيرانيّ يدعم الجماعات الإرهابية ويموّلها... لكن الخطوة هي قطع الطريق على طهران لتطوير السلاح النوويّ". وبعيداً عن التصريحات والتشاؤم الإعلامي؛ تبدو تفاصيل الاتفاقية، الواقعة في 150 صفحةً، أكثر تعقيداً. إذ يناقش الجانب التطبيقيّ منها آليات التعامل مع كلّ منشأةٍ وموقعٍ سيوضع تحت الرقابة، مع تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزيّ ومخزون اليورانيوم المخصّب من 10000 إلى 300 كيلو غرام. وفي حال جرى تنفيذ الاتفاق كما ينصّ؛ فإن ذلك سيفي بغرض منع إيران من تطوير سلاحٍ نوويٍّ. أما فيما يخصّ آليات التطبيق؛ فلا تبدو الاتفاقية سوى تحويل إيران إلى مشتبهٍ به تحت الوصاية والمراقبة الغربية لمدّةٍ لا تقلّ عن 15 عاماً، من خلال عمليات التفتيش الدورية والمفاجئة على مختلف المواقع ومن ضمنها العسكرية. أما في الشقّ الاقتصاديّ؛ فستتولى لجنةٌ مؤلفةٌ بإشرافٍ من الدول الكبرى عمليات تقييمٍ دوريةٍ لنشاطات إيران -ورفضها إن لزم الأمر- في مجالاتٍ عديدةٍ منها الصناعة والخدمات وصناعة النفط والبتروكيماويات والملاحة والبنوك والشحن وغير ذلك من القطاعات الحيوية التي يقوم الاقتصاد عليها. كما سيتيح الاتفاق لهذه اللجنة أن تتدخل في كافة نشاطات إيران التجارية بهدف منعها من استيراد مواد لها استعمالٌ مزدوج. مثلما ستحدّد الدول 5+1 أنواع وكميات الأسلحة المسموح لإيران بشرائها خلال السنوات الخمس المقبلة. ويبدو من خلال ما سبق حرص الدول الغربية على طيّ صفحة الملف النوويّ، أو، على الأقلّ، تأجيله لسنواتٍ عديدةٍ قادمةٍ، بشكلٍ مستقلٍّ عن مختلف القضايا والملفات التي حاولت إيران الاستفادة منها كأوراق ضغطٍ في التفاوض، ليصار لاحقاً إلى معالجة مشاكل المنطقة ودور إيران فيها بطرقٍ أخرى وبشروط "لعبٍ" مختلفة.

معارك الزبداني وحلب

سبق توقيع الاتفاق الإيرانيّ بأيامٍ؛ تصريح زعيم ميليشيا حزب الله، حسن نصر الله، الذي قال فيه: ان طريق القدس يمرّ في القلمون والزبداني. وجاء ذلك بعد محاولات الميليشيا الشيعية اقتحام مدينة الزبدانيّ بدعمٍ من طائرات النظام التي أحصى ناشطون إلقاءها لما يفوق الـ700 برميلٍ متفجّرٍ وصاروخٍ فراغيٍّ على المدينة منذ بدء الحملة عليها قبل أسبوعين. وفي حين يرى العديد من المراقبين أن تصريح نصر الله جزءٌ من الحشد الإعلاميّ للتغطية على خسائره في القلمون؛ لم تستطع الميليشيا اللبنانية تحقيق اختراقٍ نوعيٍّ على جبهة الزبداني التي بث ناشطوها صوراً وتسجيلاتٍ تظهر جثث قتلى الحزب ونداءات استغاثةٍ يطلقها عناصره المحاصرون.

وفي الشمال؛ ما زالت الفصائل المقاتلة ضدّ نظام الأسد تحقق تقدّماً في معركة حلب، أسفر، حتى الآن، عن تحرير كتلة معامل الدفاع ودوار الليرمون ذي الموقع الاستراتيجيّ في شمال غرب المدينة، فيما تنصبّ الأنظار نحو التقدّم باتجاه حيّي الأشرفية والخالدية، رغم تعدّد غرف العمليات، الأمر الذي قد يبطئ تحرير المدينة لكنه لن يوقفه.