الدواء القاتل... شركة شـفا ترسل دواءً مسموماً إلى أطفال دير الزور

نال الحقل الطبيّ والدوائيّ نصيبه من الفوضى التي ما تزال تضرب المناطق المحرّرة، نتيجة تعثر الجهات والهيئات العامة في بناء سلطةٍ رقابيةٍ حازمةٍ تستطيع تأمين الحماية لهذا الجانب الحيويّ الهام في حياة السكان.

بدأت قصة هذا الدواء المخصّص للأطفال قبل أسبوعين في محافظة دير الزور، وبالتحديد في مدينة الميادين، مع وصول عددٍ من حالات التسمّم الدوائيّ الحادّ إلى مشافي المدينة، إضافةً إلى حالاتٍ أخرى في بلدات البوليل والطوب وغيرها. وبعد استقصاء الأمر من قبل الأطباء والصيادلة تبيّن أن دواء DEXTROMETHAZIN، المورّد من قبل شركة شفا للصناعات الدوائية في حلب، هو المسبّب لجميع الحالات الإسعافية التي وصلت إلى مشافي المحافظة. ويوصف هذا الدواء عادةً لأمراض السعال والسعال التحسسي. وتمكن الفريق الطبي في مشفى الطب الحديث في الميادين من توثيق خمس حالات تسمّمٍ بهذا الدواء، بينها حالتان لطفلين شقيقين من أبناء السيد سعدون الحسين الصالح من قرية الطوب، نجا أحدهما وتوفي الآخر. ويلخّص الدكتور فيصل من مشفى الطب الحديث أثر هذا الدواء القاتل بأنه يعمل على تثبيط حركة العضلات التنفسية، أي حركة القصبات الهوائية، فيسبب ضيقاً شديداً في التنفس، ويتفاقم الأمر إلى حالة اختناقٍ وإقياءٍ للأطفال وهم نيام، مما قد يؤدّي إلى الوفاة.
ووثقت أيضاً ستّ حالاتٍ مشابهةٍ بنفس الأعراض التي يسببها الدواء، وهي الاختلاج وارتفاع درجات الحرارة إضافةً إلى فقدان الوعي. ووصلت هذه الحالات خلال الأسبوعين الماضيين إلى كلٍّ من مشفى نوري السعيد والمجمّع الطبي في الميادين. ويعتقد العاملون في الحقل الطبي أن الأعداد الحقيقية لحالات التسمم بهذا الدواء تفوق الأعداد التي تمّ توثيقها بكثير.

الفوضى هي السبب

يفسّر خالد، وهو صيدليٌّ شابٌّ من مدينة الميادين، حقيقة ما حدث بالإهمال والعشوائية والتطفل على مهنة الصيدلة في محافظة دير الزور، حيث افتتحت عشرات الصيدليات خلال الأشهر الماضية من دون أن تكون لأصحابها أيّة علاقةٍ بالطب أو بالصيدلة، فقد أصبح افتتاح صيدليةٍ يشبه - إلى حدٍّ كبيرٍ - افتتاح أيّ دكانٍ آخر. ففي شارع تكية الراوي وحده، والذي لا يتجاوز طوله 50 متراً، افتتحت خمس صيدلياتٍ جديدةٍ خلال الشهرين الماضيين، دون أن يكون واحدٌ من أصحابها خريجاً لكلية الصيدلة. ومن جانبٍ آخر ينبه خالد إلى الفوضى في آلية وصول الأدوية إلى محافظة دير الزور، إذ تقوم الشركات المصنّعة بإرسال الدواء عبر شركات الشحن التي تنقل البضائع من حلب ودمشق إلى دير الزور، ثم إلى التجّار المحليين الذين يقومون بدورهم بالتوزيع على الصيدليات، دون أيّة مراقبةٍ أو ضبط. ويضيف خالد أنه، وبعد اكتشاف المختصّين في الشأن الطبي خطورة هذا الدواء، عملوا على تطويق هذه الظاهرة وتنبيه جميع الأطباء والصيادلة وأصحاب المستودعات، إضافةً الى خطباء المساجد والناشطين الذين عملوا على تنبيه السكان، ليتمّ بعد ذلك سحب هذا الدواء القاتل من الأسواق. ويقترح الصيدليّ تشكيل هيئاتٍ ولجانٍ من مختصّين تكون مهمتها رقابية، وتعمل على إعادة الاحترام والانضباط إلى هذه المهنة، وفق قوانين العمل الصارمة والدقيقة المعروفة في هذا المجال.

شركـة شفا للـصناعـات الــدوائــية

ولا بد من الإشارة إلى أن فضيحة شفا الجديدة ليست الأولى في عمر هذه الشركة العائد إلى عام 1993، فقد ظهرت منتوجاتٌ دوائيةٌ لها في العام 2008 ثبت تلوثها وبالعين المجردة آنذاك، بحسب ما أفادت تحقيقاتٌ صحفيةٌ في حينه. ويشار كذلك إلى أن وزارة صحة النظام كانت قد تنبهت إلى خطر هذه الدواء، وأصدرت في نهاية العام الماضي تعميماً يقضي بسحب مستحضر (ديكستروميتازين/ شراب) الذي تنتجه شفا من الأسواق، غير أن هذا التعميم لا يسري - بحسب ما حدث - على ما ترسله الشركة إلى محافظة دير الزور أو المناطق المحررة الأخرى.