الخبيزة.. وجبة مجانية ومصدر رزق أمهات في الشمال السوري

بعدسة الكاتبة

لا يعتبر الطفل حسام البالغ من العمر عشر سنوات أن الخبيزة من وجباته المفضلة، فهو يرغب بتناول أنواع أخرى من المأكولات كالدجاج أو السمك أوالمحاشيربما، فيقول: "منذ بداية نمو الحشائش في الأرض وأمي تطهو لنا الخبيزة بشكل شبه يومي، باتت طبقاً رئيسياً وكأنه لا يوجد أنواع أخرى من الأطعمة.. أبي وأمي وجدي وجدتي يحبون الخبيزة ولا يملون منها أما أنا فقد مللت حقاً“.

 أما أم أحمد الأربعينية فتخرج بشكل يومي من مخيمها الواقع جنوب منطقة أطمة الحدودية لتسعى في مناكب الأرض باحثة عما يسد رمقها ورمق أطفالها، قاصدة الحقول المجاورة لجمع النباتات الخضراء التي بدأت بالنمو في الأراضي الزراعية والحراجية والجبلية مع بداية فصل الربيع هذا العام، لتعود بكميات وافرة منها، فتطبخها وتطعم أولادها منها كوجبة شهية ومجانية، وتبيع ما تبقى مما جمعته فتستفيد من ثمنه في شراء الخبز.

 تقول أم أحمد إنها كانت في السابق تجمع الخبيزة والحويش فتطبخها مرة واحدة في العام كوجبة موسمية مميزة، لكنها وبعد النزوح والفقر والغلاء راحت تستعين بطبخها لتوفير عناء البحث عن ثمن وجبة لعائلتها في ظل الغلاء غير المسبوق، حالها كحال المئات من النازحات.

"حين أجمع الخبيزة وأطهوها أكون بذلك أمنت وجبة يقتات بها أولادي، أما إن أردت تحضير أي وجبة أخرى فيتوجب علي شراء الخضروات واللحم وغير ذلك من المستلزمات، فأضطر لدفع مبالغ مالية كبيرة لا يتوفر لدي القسم اليسير منها“. وتضيف أن أية وجبة يومية لن تبلغ تكلفتها مهما كانت بسيطة أقل من خمسين ليرة تركية (!) أي مايعادل ٢٥ ألف ليرة سورية، وهي أجرة عامل لمدة يومين متتاليين على حد وصفها، ولذا باتت الخبيزة الخيار الأفضل كونها لا تكلف شيئاً البتة. وعن حبها للخبيزة تقول: "نحن شعب نعشق الأرض وخيراتها ونعشق أعشابها وخاصة الخبيزة الأكلة الشعبية التي يشتهي أكلها كل من يعرفها“.

تنبت الخبيزة في شمال غرب سوريا اعتباراً من شهر كانون الأول وحتى نهاية فصل الربيع، وهي نبتة برية يصل ارتفاعها عن الأرض نحو ١٠ سم، وتحمل وريقات خضراء تتميز بملمسها المخملي وشكلها البيضوي. ولها فوائد غذائية كبيرة يُجملها أخصائي الأعشاب صافي العمر (٣٢ عاماً) بعلاج الالتهابات المعوية والرئوية والإنفلونزا والحمى، ولتقليل ضغط الدم. عدا عن فوائدها في الاستعمالات الخارجية المرتبطة بالجلد، كما تساعد على توقف أكسدة الخلايا وتعزز الجهاز المناعي بشكل كبير.

وتلجأ النازحات لإعداد وجبات الحويش أو الخبيزة بطرق متعددة لتجنب ملل وتبرُّم أبنائهن منها، وعن طرق طبخها تقول سمر الحسين (٣٠ عاماً) وهي نازحة من خان شيخون ومقيمة في مخيمات حربنوش شمال غرب إدلب، إنها تحضرها بطرق مختلفة، فبعد غسلها بشكل جيد وتقطيعها تضعها على نار هادئة وتضيف لها الزيت والثوم وبعض البهارات، وأحياناً تضيف لها القليل من البرغل أو الأرز كنوع من التغيير الذي يلقى استحسان أطفالها.

 تعتمد بعض النساء في المخيمات على نبات الخبيزة كمصدر رزق لهن فيجمعنها ويبعنها في أسواق المدن القريبة من المخيم، من بينهن الحاجة الخمسينية أم مصطفى التي تجمعها من الحقول القريبة وتبيعها بسعر ٥ ليرات تركية للكيلو غرام الواحد، وتقول "هناك إقبال على شرائها من قبل عدد كبير من أهالي المدن ممن لا يستطيعون جمعها ولا يجيدون ذلك لبعد مناطقهم عن مكان تواجدها، فأعمد لبيعها بعد جمعها بشكل يومي لبائعي الخضار بسعر الجملة، فأأمن بذلك نفقات عائلتي اليومية".

تصمت قليلاً لتتابع "أتمنى استمرار موسمها، فهي تساعدني على تحمل أعباء النفقات في هذه الظروف الصعبة، فهي نبات بري ولا تحتاج لزراعة وتكاليف كغيرها من النباتات والخضروات".

وتقول منظمة الصحة العالمية إن ٩٠٪ من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. وبحسب المسؤولة الأممية اليزابيث بايرز فإ تسعة ملايين و٣٠٠ ألف شخص في سوريا يفتقرون إلى الغذاء الكافي، وأن عدد من يفتقر للمواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع مليون و٤٠٠ ألف خلال الأشهر الأولى من العام الماضي ٢٠٢٠.