الحسكة... مرتزقة فاغنر العائدون من ليبيا

بعد عودة غالبية المتعاقدين من أبناء الحسكة مع شركة ”فاغنر“ من ليبيا، ظهرت بعض الجوانب من قصة تجنيدهم للقتال هناك، بداية من الإغراءات التي قدمها التحالف مع الروس لشخصيات اجتماعية معروفة ساهمت في تحريض الشبان على التعاقد مع ”فاغنر“، وانتهاء بعودتهم ببعض الإصابات والسخرية منهم على وسائل التواصل بسبب إلحاحهم على ذويهم للتوسط في استقدامهم من ليبيا. وفي هذه المادة، تروي ”عين المدينة“ القصة الكاملة لأحد المرتزقة من محافظة الحسكة، وتحاول فهم السياقات الاجتماعية لمجمل القضية، إذ لم يكن الدافع المادي وحيداً في مجرياتها. 

لم تكن الحاجة إلى المال هي ما دفع الشخصية الرئيسية في هذه المادة للتعاقد مع شركة ”فاغنر" الروسية للذهاب إلى ليبيا، فالشاب من عائلة ثرية نسبياً في ريف الحسكة، تزوج قبل تعاقده مع ”فاغنر“ من امرأتين، ولم يطرأ أي تغير على نمط معيشته بعد أن صرفت له الشركة مستحقات ثلاثة أشهر، رغم أنه قضى مع رفاقه المرتزقة شهرين فقط في ليبيا، عادوا بعدها مع جملة مقتضبة من الروس بأنهم "سيتصلون عند الحاجة".

يرفض العائدون من ليبيا التحدث إلى وسائل الإعلام حتى الآن، بسبب توصيات الضباط الروس، إلا أن "عين المدينة“ استطاعت أن تتواصل مع قريب أحدهم للحديث عن تفاصيل تجنيد قريبه الذي ستشير إليه باسم (المتعاقد) حفاظاً على سلامة المصدر، الذي يعرف عن قريبه بأنه عسكري منشق سابقاً، وكان قد عاد إلى مناطق سيطرة النظام بعد "عملية تسوية".

سمع المتعاقد من الأهالي بالخبر الذي يتحدث عن بحث الضباط الروس عن متطوعين معهم بعقود لثلاثة أشهر، وكان مصدر الخبر زيارة قام بها عدد من الضباط الروس لريف القامشلي الواقع تحت سيطرة ميليشيا ”الدفاع الوطني“ في بداية أيار من السنة الجارية، استقبلهم خلالها وجهاء وشيوخ عشائر من المنطقة، وكان الهدف هو حضهم على إقناع الشبان بالذهاب إلى ليبيا بعقود عمل لمدة ثلاثة أشهر. "القوات الروسية تبحث عن موظفي حراسة بعقود عمل وبراتب 1000 دولار في الشهر“، يقول المصدر إن هذا ما انتشر بعد الزيارات بين الأهالي في الحسكة، التي تعاني من أوضاع مادية صعبة وقلة فرص العمل، ما دفع عدداً من الشبان إلى تسجيل أسمائهم لدى وكلاء للروس.

اعتمد الروس على متنفذين في حزب البعث وشخصيات عشائرية تحظى باهتمام من أجهزة الأمن والنظام السوري ومعروفة بولائها له، كوسيط أو كمدخل إلى المجتمع المحلي في قرى ريف القامشلي الجنوبي مثل (قرية تل سطيح، ذبانة، أبو ذويل، حامو، خربة عمو) وحارة طي ضمن المدينة، بهدف إقناع الشبان في التعاقد معهم، وقد وصل عددهم إلى أكثر من 500 شاب حسب تقديرات، عاد غالبيتهم باستثناء البعض الذين ينكر ذووهم أنهم في ليبيا، إنما يعيشون في العاصمة دمشق للعمل. 

على رأس أولئك المتنفذين فيصل العازل من عشيرة المعامرة، عضو المكتب السياسي لمجلس قبيلة طي وواحد من الذين حضروا مؤتمر سوتشي في روسيا، وفاضل الحوران القيادي في ميليشيا ”الدفاع الوطني“ في مدينة القامشلي، وحميد الأسعد الضاهر وأولاده وقد كافأه الروس عن طريق إيصاله إلى عضوية مجلس شعب في الانتخابات الأخيرة في شهر تموز من العام الجاري، وهو بعثي من شيوخ عشيرة بني سبعة ساهم بتجنيد قرابة 300 عنصر. 

إضافة إلى خطيب الطلب من شيوخ عشيرة البوعاصي وهو بعثي شكَّل مع محمد الفارس شيخ قبيلة طي ميليشيا الدفاع الوطني في القامشلي، وقد ساهم بتجنيد أكثر من 150 مقاتلاً، ومحمود منصور العاكوب من شيوخ قبيلة حرب، الذي زار الروس مضافته في مطلع هذا العام، وقد ساهم بتجنيد قرابة 100 من قبيلته.

توجَّه الشاب (المتعاقد) الذي سيصبح في وقت لاحق مرتزقاً، إلى مقر ميليشيا الدفاع الوطني في القرية، ثم برفقة مندوب منها توجه إلى الفوج 154 التابع لقوات النظام جنوب مدينة القامشلي، حيث ملأ طلب انتساب لدى ضابط روسي، ووقَّع على مجموعة من الأوراق دون أن يعرف مضمونها. "أعطونا مهلة 10 أيام لتجهيز أنفسنا للسفر إلى ليبيا“.. ينقل المصدر عن قريبه المتعاقد.

أقلت طائرة الشحن "إليوشن" المتقدمين للعقود مع ركاب مدنيين من مطار القامشلي إلى مطار دمشق الدولي، ومنه عبر طائرات هليكوبتر أو حافلات نقل إلى مطار اللاذقية، وفيها خضعت بعض المجموعات لدورات تدريبية مدتها 15 يوماً فقط. أما الأشخاص الذين يمتلكون خبرات قتالية سواء من منتسبي ميليشيا الدفاع أو غيرهم، فنقلوا مباشرة إلى مطار بنغازي شرق ليبيا عبر مطار حميميم.

عند وصول المتعاقدين إلى ليبيا تم تجميعهم في منطقة سكنية، وتقسيمهم إلى مجموعات قوام كل مجموعة 50 عنصراً من مختلف مناطق سوريا، حرص القائمون عليها على تفريق أبناء المنطقة الواحدة على عدة مجموعات، وإعطائهم لباساً عسكرياً غير موحد وأسلحة خفيفة ومتوسطة من رشاشات الكلاشنكوف و“بي كي سي“. يتراوح أعمار المرتزقة السوريين من الحسكة بين 18 و35 عاماً يقودهم سوريون من الساحل (كما يرجح المتعاقد) إلى جانب مسؤول ارتباط مع ضباط روس يقوم بدور الترجمة والتنسيق.

"نحن هنا لحماية أرض ليبيا ولقتال المخربين الذين يريدون تخريبها كما فعلوا في سوريا“.. هكذا ترجم لهم مسؤول الارتباط عن الضابط الروسي الذي اجتمع بهم وأخبرهم أول مرة أنهم يعملون لصالح شركة ”فاغنر“ الروسية، بعكس اعتقادهم عن كون تعاقدهم مع القوات الروسية لحراسة منشآت نفطية.

يذكر المصدر أنهم بالفعل قد شاركوا في عمليات قتالية في عدد من المناطق في الشرق الليبي، أحياناً في مناطق سكنية (لا يعرف المتعاقد اسمها) وأحياناً في مناطق صحراوية، دون معرفة الطرف المقابل، "فبالنهاية هدفهم الراتب" كما يحلِّل المصدر، الذي يعيد التأكيد على أن الوضع المادي لقريبه المتعاقد ميسور!.

وعن شدة المعارك في ليبيا انتشر مقطع صوتي تداولته صفحات محلية في محافظة الحسكة على الفيسبوك في منتصف شهر حزيران، لطلال مهيدي العازل ابن أخ فيصل العازل، يطلب من أخيه أن يذهب إلى عمه فيصل لكي يتوسط لهم عند الروس لإرجاعهم إلى سوريا، لأنه "الوحيد الذي يستطيع أن يرجعه من ليبيا..“.

يقول طلال في المقطع الصوتي إن الوضع أصبح صعباً جداً و"طالبنا بالعودة إلى سوريا ولكنهم أرادوا قتلنا (يقصد الروس)“. ويتابع: "في أي لحظة سوف نقتل..“. وهو نفسه الشاب الذي انتشرت له صورة وهو يتفاخر مع مجموعة من أقاربه بالقرب من البحر على الساحل السوري قبل سفره إلى ليبيا.