الحرب والنزوح أفقدت سهل الغاب خضرته الدائمة

متداولة لقصف النظام لقرى سهل الغاب

"يا حيف هالأرض يصير فيها هيك" يقول أبو محمد، أحد مزارعي المنطقة، حيث لم يكن سهل الغاب بهذه الصورة من قبل. فما يمتد أمام الناظر كأرض جرداء، كانت مكسوة باللون الأخضر على مدار العام، لكن سنوات الحرب التي عاشتها المنطقة تركت أثراً واضحاً ومدمراً فيها.

سهل الغاب منطقة زراعية خصبة تمتد من قلعة المضيق جنوباً حتى أطراف جسر الشغور في الشمال، وتقسم إلى منطقتين إداريتين تتبع لهما كل قرى وبلدات سهل الغاب: ناحية قلعة المضيق، وتعرف تلك المنطقة بالغاب الجنوبي، وناحية الزيارة، وتعرف بالغاب الشمالي. والأخيرة هي الأكثر تأثراً بالحرب، حيث غدت أغلب أراضيها قاحلة، وإن زرعت تزرع بالمحاصيل الموسمية، نتيجة نزوح غالبية أهلها من جهة، وغياب مياه الري من جهة أخرى. أما منطقة الغاب الجنوبي فكانت أفضل حالاً، حيث ساهم وجود سد قلعة المضيق في ذلك، بالإضافة لاقتراب نهر العاصي من أراضيها، الأمر الذي أمن مورداً مائياً لها.

يقول المهندس الزراعي غسان عبود، رئيس دائرة الزراعة بسهل الغاب: " ظروف الحرب والقصف الذي استهدف قرى سهل الغاب أجبر الكثير من أهالي المنطقة على الرحيل منها، وترك أراضيهم بدون زراعة، مما انعكس بشكل كبير على الواقع الزراعي في منطقة الغاب الشمالي، حيث كانت تزرع في سهل الغاب مساحة أكثر من عشرة آلاف ومئة هكتار بمختلف المحاصيل الاستراتيجية من القطن والشوندر السكري والتبغ والذرة والخضار بمختلف أنواعها. بينما تقتصر العملية الزراعية اليوم في سهل الغاب على زراعة الحبوب التي تعتمد بشكل رئيسي على مياه الأمطار".

يرى (العبود) أن غياب الدعم الإرشادي وتعطل الوحدات الإرشادية والمؤسسات الصناعية ساهمت أيضاً بتأخر العملية الزراعية. فتوقف معمل سكر جسر الشغور عن العمل، وكان يستهلك كامل إنتاج سهل الغاب من محصول الشوندر السكري، كما توقفت المحالج التي كانت تستقبل كامل محصول القطن، ما أدى لتراجع هذين المحصولين؛ لأن تصريف تلك المنتجات في مناطق النظام سيكون بكلفة مرتفعة ولن تعود على الفلاح بأي جدوى اقتصادية. كل ذلك ترك آثاره على طبيعة العملية الزراعية والمحاصيل التي تناسبها؛ حيث أجبر الكثير من المزارعين على الالتفات إلى الزراعات الموسمية التي تعتبر ذات تكلفة ومجهود أقل مثل القمح والشعير..

المياه التي كانت تتوفر في سهل الغاب من أهم العوامل التي أدت لازدهاره زراعياً، بحيث شكّل في مرحلة من المراحل سلة غذائية مهمة في سوريا، لكن غياب مياه الري أدى لتراجع الزراعة بشكل كبير، وتحولت الكثير من المزارع لأراضي قاحلة، حسب مصعب الأشقر الناشط الإعلامي من المنطقة. فقد غابت مياه الري عن الغاب الشمالي، بعد قيام قوات الأسد سنة 2012 بسرقة وتعطيل محطات الضخ الموجودة على نهر العاصي، والتي كانت تقوم بتزويد سد (قسطون) بالمياه، ويعتبر المورد الرئيسي للمياه في ناحية  الزيارة، فتبدد مخزون السد ، ما تسبب بانحسار مساحة الأراضي المروية بدرجة كبيرة، لأن المزارع يعتمد اليوم في عملية السقاية على الآبار الارتوازية التي تكلّف مبالغ كبيرة أثناء تجهيزها واستخراج المياه.

من جانبها سعت المنظمات الإنسانية والهيئات العاملة في مجال الأمن الغذائي لتنفيذ مشاريع خاصة بالواقع الزراعي، بهدف تشجيع الناس على الزراعة، والتخفيف من حالة التصحر التي تجتاح مزارع سهل الغاب الشمالي.

يقول المهندس أيمن مرعي (مدير مكتب منظمة إحسان في ريف إدلب الجنوبي): المزارع في سهل الغاب بحاجة ماسة لشتى أنواع الدعم الزراعي، من بذار وأسمدة ومعدات زراعية، بالإضافة لتأمين مصاريف الري، والتي تعتبر الضرورة الأكثر إلحاحاً.

حاولت منظمة إحسان من خلال عدة مشاريع المساعدة في "الارتقاء بالواقع الزراعي"، يكمل المرعي، "مثل تنظيف قنوات الري التي كانت مغلقة بزهرة النيل (نوع من أنواع الأعشاب ينبت في المجاري المائية ويقوم بإغلاقها بشكل كامل) بهدف إعادتها للعمل من جديد، كما قمنا بتوزيع البذور المحسنة على المزارعين بالإضافة للأسمدة الداعمة بهدف الحصول على إنتاج أكبر".

"لكن تبقى عملية الري الأكثر إلحاحاً"، يستدرك (المرعي)، "ولن تعود الزراعة في سهل الغاب ما لم يتم تأمين موارد مائية جيدة"، عن طريق إعادة تأهيل مضخات الري، والاستفادة من قنوات الري الموجود بشكل صحيح. ويؤكد في النهاية أن التنسيق الصحيح بين المنظمات العاملة في مجال الأمن الغذائي والمجالس المحلية له دور كبير في رفع سوية الواقع الزراعي في سهل الغاب، والذي يعتبر اليوم سلة غذائية للشمال المحرر بشكل كامل، ومن واجب الجميع السعي لنهضته.