الجنوب السوري: النظام يحرم السكان من الخدمات والتعليم

إحدى المدارس في درعا

يواجه سكان محافظة درعا الذين أجروا تسويات مع حكومة النظام السوري تهميشًا في شتى الجوانب الحياتية نظراً لمواقفهم ومعارضتهم السابقة للنظام. وتسبب هذا التهميش بتراجع مستوى التعليم والخدمات الحياتية مثل الكهرباء والماء، الأمر الذي تفاجأ به السكان الذين اعتقدوا أن عودة النظام ستعيد المؤسسات الخدمية بشتى اختلافاتها للعمل من جديد.

النظام يسعى إلى حرمان الجنوب السوري من التعليم

المدرس ر.م، كان يعمل ناشطاً إغاثياً أثناء سيطرة المعارضة السورية على الجنوب السوري، وعندما قدم طلبًا لإعادته إلى ملاك وزارة التربية والتعليم في حكومة النظام، تفاجأ بقرار بفصله استناداً إلى تقرير كتبه أحد المقربين من حزب البعث ورفعه للأمن السوري، تضمن معلومات عن النشاط الذي كان يقوم به أثناء سيطرة المعارضة على مناطق واسعة من الجنوب. وقال المدرس ر.م لعين المدينة: "قرار الفصل لم يعد يهمني، فالراتب الذي كنت سأتقاضاه من التربية لا يتجاوز دولارات قليلة، ولا يكفي سوى لتغطية نفقات أيام معدودة من الشهر".

ويؤكد العديد من سكان الجنوب السوري أن وزارة تربية النظام فصلت مع بداية العام الدراسي المئات من المعلمين والمعلمات الذين عملوا سابقاً في مؤسسات التربية التابعة للحكومة السورية المؤقتة، أو نشطوا في المجال الإغاثي، أثناء سيطرة فصائل الثوار والمعارضة على هذه المنطقة. إلا أن عدداً صغيراً منهم نجح بالعودة الى العمل معتمداً على وساطات ومبالغ مالية دفعها إلى عناصر من حزب البعث الذين يتحكمون بالملف التعليمي.

وفي حديث مع عين المدينة قال أحمد المجاريش، والذي يعمل ناشطاً إعلامياً في توثيق انتهاكات النظام في الجنوب ويقيم في الأردن: "إن حكومة النظام منذ إعادة سيطرتها صيف العام الماضي على محافظة درعا لم ترمم المدارس التي دمرتها طائرات النظام أثناء سيطرة المعارضة". وأضاف: "أمام هذا الإهمال للملف التعليمي من قبل النظام قام الأهالي بمبادرات محلية ساهمت في إعادة بعض المدارس المتضررة بنسب قليلة إلى العمل".

وقال مصدر محلي من ريف درعا لعين المدينة أنه أمام هذا النقص الفادح في التجهيزات اللازمة للمدارس، وصل الأمر بعدد من الأهالي في قرى وبلدات في ريف محافظة درعا إلى فرش الصفوف الخاوية بسجاد قاموا بشرائه عوضا عن المقاعد، لتمكين التلامذة من تلقي التعليم.

وأضاف المصدر يبلغ عدد المدارس التي تصلح للعمل في محافظة درعا 540 مدرسة، بينما يوجد نحو 400 مدرسة أخرى خارجة عن الخدمة أو غير صالحة للعمل، فحاول الأهالي تجهيزها وترميمها بالحد الأدنى لضمان عدم ضياع مستقبل أبنائهم. وأكد المجاريش في هذا الإطار أن الأهالي استعانوا ببعض رجال الأعمال وأقارب لهم يعملون في دول الخليج لتأمين مبالغ مالية استخدمت في ترميم وتجهيز المدارس. وأنهى كلامه بالقول "إن وزارة التربية في حكومة النظام لم تقدم على أي خطوة لإعادة تأهيل المدارس المتضررة".

وفي حديث مع عين المدينة قال الناطق الرسمي باسم "تجمع أحرار حوران" أيمن أبو نقطة المقيم في تركيا: "النظام يسعى إلى اغفال الجانب التعليمي في الجنوب، لتسهيل تحقيق أجندات ميليشيات في المحافظة". وتابع موضحاً "المنطقة تتعطش للتعليم، وأمام عجز المدارس الحكومية عن تلبية حاجات السكان في هذا المجال، سيكون من السهل فتح مدارس خاصة تخدم المذهب الشيعي الذي تكرس إيران كامل جهودها لنشره" محذراً من أن "هذه العملية ستدمر جيلًا كاملاً في الجنوب".

 الخدمات.. محاولات النظام لنهب المعارضين

محمد كريم (اسم مستعار) من ريف محافظة درعا، تعرض منزله لقصف الطائرات الحربية التابعة للنظام في عام 2013، ولما عادت السيطرة لقوات النظام على هذه المنطقة طالبته شركة الكهرباء في بلدته بدفع متأخرات من الرسوم عن سنوات عدة بلغت قيمتها نحو 400 ألف ليرة سورية. وقال محمد كريم لعين المدينة: "الكهرباء قطعت منذ سنوات عن منزلي، وهذا المبلغ ليس سوى عقاب لي لأنني أجبرت على ترك المنزل بعد تعرضه للقصف". وأضاف: "حكومة النظام لا تؤمن الخدمات داخل المحافظة. كانت أفضل خلال سيطرة المعارضة". وما يحصل بالنسبة إلى الكهرباء يحصل بالنسبة للماء أيضاً، ولا يتم إعادة وصل هاتين الخدمتين إلا بعد دفع تراكمات فواتير تعود لسنين عدة.

وقبيل سيطرة قوات النظام على الجنوب السوري كانت العديد من المنظمات المحلية والأجنبية تغطي الجانب الخدمي كترميم المدارس والمؤسسات الخدمية كشبكات الصرف الصحي والماء والكهرباء، إلا أنها انعدمت الآن، لذلك جاءت الخدمات في ظل سيطرة النظام المنهار اقتصاديًا سيئة للغاية.

وقال أبو نقطة: "النظام يدعي أنه يقدم خدمات في درعا إلا أنها مبادرات شعبية بتمويل محلي من الأهالي والمغتربين". وأضاف: "الأهالي في بلدة داعل وحدها جمعوا نحو 16 مليون ليرة سورية لإصلاح شبكة الكهرباء المتضررة من قصف قوات النظام"، موضحاً "أن النظام يجبر الأهالي على دفع فواتير الكهرباء والماء، التي لم يحصلوا عليها أثناء سيطرة المعارضة على الجنوب السوري".

وتتوزع السيطرة في محافظة درعا على خليط واسع من الأجهزة الأمنية والفرق العسكرية والميليشيات السورية وغير السورية. فهناك حواجز عديدة تابعة للمخابرات الجوية وللفرقة الرابعة ولأمن الدولة، وهناك ميليشيات سورية تعمل لحساب إيران، في حين ينتشر عناصر ميليشيا حزب الله اللبناني في منطقة اللجاة بين محافظتي درعا والسويداء، حيث أقاموا قواعد عسكرية ومراكز تدريب وتجنيد.

أما الميليشيات الموالية لروسيا فأبرزها الفيلق الخامس والأمن العسكري، وتنتشر هذه الميليشيات في الريف الشمالي الشرقي من محافظة درعا، بينما توجد مناطق خالية من قوات النظام والميليشيات الموالية له ويسيطر عليها عناصر التسويات، كبلدة طفس في الريف الغربي ودرعا البلد.