التعليم من بعد .. البديل المثالي للسوريين في ظل الحرب

لأحد طلاب منصة رواق للتعليم الافتراضي

دأب النظام السوري منذ اندلاع الثورة على تدمير التعليم في المناطق المحررة، ناهيك عن عزوف آلاف الشبان عن الانتقال إلى مناطق النظام لاستكمال تحصيلهم العلمي خشية اعتقالهم. ويضاف إلى ذلك عدم وجود سلطة مركزية أو حكومة معترف بها دولياً في المناطق المحررة يمكنها أن تتبنى عملية التعليم العالي، ما دفع فئة واسعة من الشبان السوريين الى إيجاد بدائل تعليمية، فكان التعليم من بعد والتدريب الافتراضي حلين مثاليين في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد.

يقول جمعة الخلف من ريف حلب لعين المدينة: "قامت الثورة ولم أكن قد تخرجت بعد من جامعتي، وبقيت فترة طويلة بدون تعليم فشعرت في هذه المرحلة بأنني ضائع. ولكنني بدأت أسمع بالتعليم من بعد وانتشاره بشكل واسع، وبالفعل تابعت الأمر وسجلت في جامعة رشد الافتراضية في قسم العلوم السياسية، وأكملت الدراسة فيها لعامين". وأوضح جمعة أن تخرجه من "جامعة رشد" سيزيد من إمكانيات إيجاده فرصة عمل تناسبه، لأن الجامعة معترف بها في دول عدة.

وجامعة رشد الافتراضية هي منصة تعليمية أسسها الدكتور ملهم الدروبي، وبحسب ما قاله الدكتور ملهم لعين المدينة في تقرير سابق: "الجامعة وقعت اتفاقاً مع وكيل جامعة آسيا العالمية بالشرق الأوسط منتصف العام 2013 وتم تعزيز هذا التعاون مطلع العام 2019". يقع المقر الرئيسي للجامعة في اسطنبول وتضم عدة برامج تعليمية مثل دبلوم المحاسبة ودبلوم العلوم السياسية وإدارة الأعمال وبكالوريوس الإدارة الحكومية وتقنية المعلومات بالإضافة لدبلوم اللغة الإنكليزية والتأهيل التربوي.

 انتشار ظاهرة التعليم من بعد والتدريب الافتراضي عبر الإنترنت في المناطق المحررة في سوريا بات ملاحظاً بشكل كبير. ويوضح الأستاذ عبد الرزاق عبد الرزاق المدرب الافتراضي في "منصة أفق"، أن من أبرز الأسباب التي دفعت الشبان السوريين إلى التعليم الافتراضي "خبرة المدربين الافتراضيين التي تتجاوز الحدود الجغرافية، وقلة التكاليف بالمقارنة مع التعليم المباشر وإمكان العودة إلى التدريب بعد انتهاء المحاضرة لأن معظم التدريبات تكون مسجلة". ويضيف "هناك آلاف من الراغبين في طلب العلم ولكن ظروف الحرب وصعوبة التنقل تمنعهم من ذلك فيلجؤون إلى التعليم من بعد".

وعن كلفة التدريب يقول عبد الرزاق "أعتقد أن تكاليف التدريبات الافتراضية متناسبة مع الوضع المالي لمعظم الشباب، ولكن كلفة الحصول على شهادات تعترف بها منصات دولية هي المشكلة الأساسية بالنسبة إلى المتدربين ولا بد من إيجاد حل لها".

وعن منصة أفق يقول عبد الرزاق: "هي منصة تعليمية تقدم برامجها التعليمية بدون أجور مادية، وتعتبر هذا الشيء خدمة معنوية لطالبي العلم في الوطن العربي، وبالنسبة إلى الطالب الذي يلتحق بأحد البرامج فإنه لا توجد شروط محددة للانضمام لها" في حين لم يخف عبد الرزاق احتمالية فرض أجور في المستقبل متناسبة مع الأوضاع المادية على البرامج التعليمية في المنصة.

وعلق عبد الرزاق على موضوع الاعتراف بالشهادات المأخوذة من المنصة بالقول إن "الاعتراف يأتي من شهادات حضور البرامج والخبرة التي يكتسبها المتدرب بالنسبة إلى المنصة"، وذلك في إشارة إلى الإمكانيات التي يكتسبها الطالب من خلال تفاعله مع البرنامج، وجدارته التي تمنح شهادته الاعتراف لدى الجهات التي يتقدم للعمل لديها، مشيراً إلى أن هناك منصات وجامعات لديها شراكات أو اعترافات محلية ودولية.

من جهته، يقول مدرب الأمن الرقمي الأستاذ يحيى الصبيح أن "التعليم أو التدريب من بعد لا يغني عن التعليم المباشر، ولكنه أصبح في الوقت الحالي وسيلة متطورة، ويمكن للتعليم من بعد أن يوصل ما بين سبعين وثمانين في المئة من المعلومات إلى المتلقي، ولكن الأخير يظل في حاجة للتعليم المباشر لتثبيت المعلومات التي تلقاها". ويوضح الصبيح الفرق بين التعليم والتدريب بالقول: "التعليم يحمل صفة الاستمرارية ويكون على شكل دبلومات أو بكالوريوس وقد يكون ماجيستير، في حين أن التدريب يكون محدداً بوقت قصير قد يكون بضع ساعات أو بضعة أيام، وقد يصل لستة أشهر في بعض التدريبات".

ويشير الصبيح إلى أن "أكثر المجالات طلباً في الوقت الحالي هي التدريب على إدارة الأعمال والتدريب على الكمبيوتر بشكل عام والتدريب على اللغات، فكلها تؤهل المتدرب لأن يدخل سوق العمل، فضلاً عن تدريبات تتصل بالموارد البشرية والمراقبة والتقييم".

عبد الستار بركات طالب في قسم إدارة المؤسسات الحكومية في جامعة رشد والتحق مؤخراً أكاديمية زاد للعلوم الشرعية، يقول: "التعليم الافتراضي كان حلاً مناسباً لنا في ظل الحرب، إذ أصبح من الصعوبة بمكان التنقل من الجامعات ومراكز التعليم وإليها، وانطلاقاً من تجربتي في العالم الافتراضي التعليمي، أدعو وأشجع كل شاب سوري انقطع عن تحصيله العلمي إلى الالتحاق بأي جامعة افتراضية حتى لا يضيع عليه مستقبله".

ويعرف الموقع الرسمي ل"أكاديمية زاد" على الشبكة العنكبوتية برنامج الأكاديمية بأنها "أكاديمية افتراضية تقدم برنامجاً تعليمياً يهدف إلى تقريب العلم الشرعي للمسلم خلال مدة دراسية تمتد لسنتين مقسمة على أربعة مستويات". ويوضح عبد الستار أنه ليس للأكاديمية أية مراكز في إدلب وإنما هي منصة افتراضية.

سليمان العيدو من ريف إدلب الجنوبي، طالب هندسة ميكانيك غير متخرج، انضم مؤخراً إلى "منصة نيوفرستي" العاملة بالشراكة مع غوغل ليتلقى بعض التدريبات، يقول: "حاولت مراراً أن أثقف نفسي بشكل ذاتي عبر الإنترنت، ولكنني وجدت صعوبة في ذلك، لذا اتجهت إلى التدريبات الافتراضية، لأن فيها تفاعلاً أكثر وبرنامجاً ثابتاً ومحدداً". ويضيف "أتلقى تدريبي بمعدل ثلاث جلسات مسائية في الأسبوع، أدخل عبر رابط يتم إرساله إلينا مسبقاً من خلال تطبيق zoom المعروف، وأتمكن من مشاهدة الأستاذ المحاضر بشكل مباشر، مع إمكان طرح الأسئلة عليه وتلقي الإجابة عنها، ما يمنحني شعوراً جيداً".

يوضح أنه اهتم بهذا النوع من التعليم لعدم توافر فرصة التدريب الواقعي في شمال غربي سوريا (إدلب وريفي حلب الغربي وحماه الشمالي)، ولازياد الطلب لدى المنظمات الإنسانية على الأشخاص الذين يحملون شهادات تثبت مشاركتهم في الدورات التدريبية التي انتشرت مؤخراً، وخصوصاً التدريب على مهارات القيادة الفعالة ومهارات التواصل. لكن حسام الخلف المهجّر من ريف حمص، والموظف في إحدى المنظمات الإنسانية في إدلب، يختلف في الرأي مع العيدو ويعزو اهتمامه بهذا النوع من التعليم إلى أنه سيكون "عنصراً أساسياً في المستقبل بسبب التطور الكبير الذي يشهده العالم، ونحن كسوريين لا بد من أن نواكب هذا التطور مبكراً ما دامت الفرصة سانحة الآن".