التسوية الثالثة في السويداء.. (وكأن شيئاً لم يكن)

بعد مرور شهر على افتتاح النظام السوري لمركز التسوية الأمنية والعسكرية في محافظة السويداء، يبدو الوضع و"كأن شيئا لم يكن" بحسب مصادر أهلية من المحافظة، إذ يعكس الإقبال الضعيف على مراكز التسوية فشل النظام في التعامل مع هذه المحافظة ذات الحساسية الخاصة، إذ ما يزال النظام يسير في معادلة التسوية ضمن إطار انتهازي وابتزازي، فبدت "تسوية تقايضية" على مبدأ "مطالب معيشية لا يستطيع النظام تلبيتها مقابل تسويات أمنية عسكرية لا يستجيب لها الأهالي".

التسوية التي أطلقها مدير إدارة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا، والتي تستهدف المتخلفين عن الخدمة العسكرية بالدرجة الأولى، لم تستقطب أكثر من 1500 شاب معظمهم من المطلوبين بقضايا أمنية، وبنسبة أقل من المطلوبين للخدمة العسكرية إذ بلغ عدد الأخيرين 300 شاب من أصل ما لا يقل عن 25 ألف مطلوب للخدمة العسكرية، وفق مصدر مطلع على سير عملية التسوية تحدث لعين المدينة.

تمنح التسوية مهلة 6 أشهر للمتخلفين عن الخدمة، على أن يلتحقوا بعدها ضمن تشكيلات الفيلق الأول في قوات النظام المنتشر بمحافظات الجنوب السوري (درعا، السويداء، ريف دمشق، والقنيطرة). ولكن ضعف الإقبال من المتخلفين يشير بشكل واضح إلى أن النظام لم ينجح في حل هذه المسألة، في الوقت الذي لا يزال يتبع نفس السياسة في "تجريب المجرب".

قدّمت اللجنة الأمنية بنود التسوية الأخيرة على أنها "خاصة بالعسكريين الفارّين والمتخلفين عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية والمدنيين المطلوبين للخدمة الاحتياطية، باستثناء من يوجد بحقهم ادعاءات شخصية والمطلوبين لجهات أمنية ويوجد بحقهم إذاعات بحث لمن قام بعمليات خطف وقتل".

إضافة إلى ذلك "يُمنح المدني الذي لا يوجد بحقه ادعاء شخصي، كتاباً يسمح له بالتجول ضمن أراضي الجمهورية العربية السورية لحين تسوية وضعه بشكلٍ نهائي". كذلك "يمنح للعسكريين الذين شكّلوا فراراً داخلياً أو خارجياً مدة شهر واحد للالتحاق بالخدمة، ويسمح لهم خلال هذا الشهر من التجول بحرية".

فيما يتعلّق بالتخلف والاحتياط يعطى المطلوب مهلة ستة أشهر، وبطاقة تخوله التجول داخل الأراضي السورية، على وعد من اللجنة الأمنية لمن يلتحق بالخدمة أن تكون خدمته العسكرية ضمن المنطقة الجنوبية حصراً. ولا يمكن للمتخلّف عن الخدمة أو المطلوب للاحتياط استصدار جواز سفر، ولمن هم خارج القطر يمكن أن يتقدموا للتسوية عن طريق الوالدين أو الإخوة، والبنود الأخيرة إجرائية وشكلية للأوراق المطلوبة للتقديم لصورة الهوية أو بيان قيد نفوس وصور شخصية، مع تأكيد النظام عدم وجود نوايا بسحب السلاح من الراغبين بالتسوية.

أبو تيمور مسؤول الجناح الإعلامي في حركة رجال الكرامة الفصيل العسكري الأكبر في السويداء، قال في تصريح لعين المدينة، أن هذه التسوية هي الثالثة منذ العام 2015 بعد تسويتين سبقتاها، الأولى في عام 2016 وكانت بإشراف فرع المخابرات العسكرية في السويداء ودرعا، والثانية تمت بوساطة قائد القوات الروسية في المنطقة الجنوبية مطلع العام 2021 والتي استمرّت لعام 2022.

لم تكن التسوية الأخيرة مختلفة عن سابقتيها، -بحسب أبو تيمور- ف"مسألة التخلف عن الخدمة ليست وليدة اليوم، إنما هي مرتبطة بجملة من العوامل والظروف، منها الشعور العام لدى أهالي السويداء بأن ما يحصل إلى حد اليوم في سوريا حرب أهلية يرفضون الانخراط فيها، بالإضافة إلى عدم وجود سقف محدد لمدّة الخدمة. ثم الوضع الاقتصادي المتدهور، وعدم رغبة شباب السويداء بالخدمة في محافظات قد يتم استخدامهم فيها كأداة لقتل مواطنين سوريين".

ويرى أبو تيمور أن هذا النوع من التسويات لا يُقبل عليه إلا المطلوبين بقضايا جنائية بالدرجة الأولى، وهذا ما يساهم في تعميق حالة الفلتان الأمني، في ظل غياب الرادع القانوني للمجرمين، الذين تشكل التسويات لهم طوق نجاة في أحيان كثيرة.

ويؤكد الناشط حمزة السيّد خلال حديث لعين المدينة، أن الإقبال على مراكز التسوية  كان ضعيفاً وبدا الوضع وكأنه "مهرجان احتفالي تديره الأجهزة الأمنية بنفس العقلية التي اعتادت عليها منذ فترة السبعينات من القرن الماضي". ويفسر الناشط ضعف الإقبال بعدم الثقة بالوعود التي يطلقها النظام لحل الملفات الأمنية العالقة، وخاصة بعدما وضحت تجارب التسويات السابقة في محافظات أخرى.

ويتابع "التسويات التي أجراها النظام كانت لها نتائج سلبية أثارت استياء مواطني المحافظة منها، وغالباً ما أدت إلى إنشاء ميليشيات مسلحة تابعة لأفرع النظام الأمنية، وكانت يد المافيات الاحتلالية الإيرانية الحامية لطرق تهريب المخدرات عبر حدود المحافظة ومشاركتها بعمليات الخطف والقتل وإشاعة الفوضى في السويداء".      

في حين يبرر أحد الشبان الذين تقدموا للتسوية (فضل عدم ذكر اسمه) لجوءه لهذا الحل كونه "يمنح فرصة للراغبين بالعودة إلى الحياة الطبيعية، وخصوصاً الشباب المطلوبين على خلفية تقارير كيدية"، معتبراً خلال حديث لعين المدينة أن هذه التسوية لن تحل مسألة المتخلفين عن الخدمة العسكرية، لكنها ستسهل للشباب المطلوبين للأفرع الأمنية الحصول على بطاقات كف بحث، وإصدار جوازات سفر والمغادرة من البلاد.

في جميع الحالات لن تضفي التسوية واقعاً جديداً على السويداء وفق من تحدثت إليهم عين المدينة، إذ "لا يبدو النظام السوري جاداً في إيجاد حلول حقيقية للأزمات العالقة والمتراكمة في عموم سوريا"، ويبدو ذلك واضحاً في رد مسؤوليه على مطالب الأهالي بتحسين الظروف المعيشية: حصار وعقوبات ومؤامرة مستمرة، وليس في جعبتنا إلّا التسويات الأمنية. هذه الكلمات كانت ملخص ردود مسؤولي النظام على وجهاء السويداء في الفترة الماضية.