مايكل والتسر عن مجلة Dissent الأميركية
25 كانون الثاني
ترجمة مأمون الحلبي

في 7 شباط 1968 دمرت القنابل والصواريخ الأميركية قسماً كبيراً من مدينة «بين تري» في فيتنام الجنوبية، ما أدى لمقتل 500 إلى 1000 شخص مدني. قيل أنه في وقت لاحق من ذلك اليوم أبلغ ضابط أميركي مراسل وكالة أسوشيتدبرس أنه «أصبح ضرورياً تدمير المدينة من أجل إنقاذها».

فيما بعد، تم التشكيك في صحة هذ الاقتباس، لكن ليس قبل أن يصبح شهيراً أو سيء السمعة – لقد كان الوصف الأمثل لما كنا نقوم به في فيتنام. كان مقاتلو الفيتكونغ قد اخترقوا المدينة فقرر«القادة المتحالفون، بغض النظر عن الإصابات في صفوف المدنيين، أن عليهم دك المدينة البالغ عدد سكانها 35 ألف نسمة، من أجل سحق قوات الفيتكونغ». لقد سحقوا أيضاً سكان المدينة، وأدى ذلك، بالإضافة إلى القتلى، إلى إيجاد آلاف اللاجئين ممن تم إنقاذهم تحديداً.

في أواخر عام 2017، كتب 4 مراسلين لأسوشيتدبرس تقريراً عن تدمير الموصل يكرر بشكل واعٍ أصداء قصة بين تري، المدينة الفيتنامية. كان العنوان الرئيسي «الموصل مقبرة: المعركة النهائية ضد داعش تقتل 9000 مدني». عندما حمي وطيس المعركة كتب المراسلون الأربعة: «كان المسؤولون العراقيون ومسؤولو قوات التحالف يرون أن وفيات المدنيين كانت ترتفع، لكنهم حافظوا على ذات الوتيرة من العمل. كانت النتيجة، في الموصل، مدينة تركتها المعركة التي كانت تبغي إنقاذها خراباً».

قصة الرقة تشبه إلى حد كبير قصة الموصل. في منتصف كانون الأول أرسلت الكساندرا زا فيس تقريراً إخبارياً لصحيفة «أنجلوس تايمز»، تقول فيه: «80% من بيوت ومتاجر مدينة الرقة دُمرت نتيجة الضربات الجوية والقتال على الأرض. البنى التحتية الحيوية – محطات الطاقة الكهربائية، مضخات المياه، الصرف الصحي، المشافي، المدارس، - دُمرت». من الواضح أن الكساندرا لم تتذكر الاقتباس المتعلق بمدينة بين تري، لكن ها نحن هنا أمام مدينة أخرى دمرها منقذوها.

كثير من حالات الموت في كلتا المدينتين، الموصل والرقة، تسبب بها المتشددون الإسلاميون. الملف الإخباري لأسوشيتدبرس يصف ضحايا قطع الرؤوس والرجم في الموصل، والرجال المتهمين باللواطة الذين كان يتم إلقائهم من أعالي الأسطح، والرجال والنساء والأطفال المقتولين الذين تُركوا في قبور جماعية لم يتم البحث عنها إلى الآن ( إجمالي ال9000 قتيل لا تتضمن ضحايا داعش ). لكن آلافاً من الضحايا قتلتهم الضربات الجوية، ونيران القصف المدفعي الذي يقوم برسم اتجاهاته المرشدون الأميركيون. كان يوجد في الرقة 400 أميركي من المارينز«يقدمون المساندة المدفعية».

لابد أن ثمة وجود لطريقة أفضل في القتال، لكن لا يوجد دليل كافٍ على مسعى جدي للعثور على هذه الطريقة. في آذار 2017، بعد ضربة جوية واحدة قتلت أكثر من 100 مدني في الموصل «توقف القتال برمته لثلاثة أسابيع». راجع التحالف استراتيجيته وأعطى تعليمات للقوات الخاصة العراقية: أنه «لم يعد مسموحاً لهم أن يطلبوا ضربات على المباني. بدلاً من ذلك، أُمروا أن يطلبوا ضربات جوية على الحدائق والطرقات المجاورة». أشك أن هذا الأمر كان سيشكل فرقاً كبيراً. على أي حال، لا شيء تغير. أخبر الضباط العراقيون مراسلي الأسوشيتدبرس أنهم «عادوا إلى القتال تماماً بنفس الطريقة السابقة» بعد التوقف لثلاثة أسابيع. يوجد فريقٌ من الأميركيين (سبعة منهم مقيمون في الكويت) يُفترض أن يحققوا بمزاعم عن موت مدنيين في العراق وسوريا. لا أحداً منهم، وفقاً لما يقوله تقرير الأسوشيتدبرس، وطئت قدميه الموصل أو قام بأي مسعى لجمع أدلة مادية. «يقول الأميركيون أنهم لا يمتلكون الموارد لإرسال فريق إلى الموصل». إجراء تحقيق حقيقي هام جداً، ليس فقط من أجل قول الحقيقة، وإنما أيضاً لإيجاد طريقة أفضل في القتال. يقول الكولونيل توماس فيل المتحدث باسم التحالف: «لولا الحملة الجوية والبرية للتحالف لكانت هناك سنوات أخرى، إن لم تكن عقود، من المعاناة ومن الموت وقطع الأطراف في سوريا والعراق، على أيدي الإرهابيين الذين يفتقرون لأي معايير أخلاقية». أجل، ثمة حروب يجب أن يتم خوضها، والحرب ضد داعش هي إحدى هذه الحروب. لكن الطريقة التي نقاتل بها ليست حتمية. إنها مسألة تخص القرار الاستراتيجي والتكتيكي والأخلاقي.

القرارات الضرورية، دون شك، كثيرة ومعقدة. لكن هناك أمر نعرفه: إن كان بوسع الجنود أن يطلبوا ضربة جوية أو رشقة مدفعية كلما واجهوا نيراناً معادية، فإن الوفيات في صفوفهم ستكون قليلة إلى أدنى حد. لكن أعداداً كبيرة من المدنيين سيموتون. لذا هناك مسألة يجب أن تُبحث: أي مخاطر يمكن أن نطلب من جنودنا وحلفائنا أن يقبلوها كي نقلل المخاطر التي يفرضوها على المدنيين؟ طريقة الحرب الموصوفة في الملفات الخارجة من الموصل والعراق (ومدينة بين تري) توحي أننا لا نتقبل هذا السؤال. إلى أن يحصل هذا، وإلى أن نعترف أنه توجد مخاطر يجب أن تُقبل وتوجد بعض المعارك التي لابد من خوضها على الأرض، قبل أن يُسمح للجنود طلب تدمير ضخم من بعيد، فسنستمر بالعيش مع الوحدة الفاضحة لعملية الإنقاذ والتدمير.