الارتفاع المخيف في أعداد الضحايا المدنيين في الحرب على الإرهاب

Getty Images

فيليس بينس
10 أيار عن مجلة In These Times
ترجمة مأمون حلبي

تُظهر تقارير جديدة تصاعداً في أعداد إصابات المدنيين بفعل العمليات العسكرية الأميركية في سوريا وأفغانستان والصومال، ونمطاً من الإنكار الأميركي حول حجم المشكلة.

"ليس ثمة حل عسكري" هو قولٌ تم سماعه مراراً منذ أن بدأت "الحرب الكونية على الإرهاب" قبل حوالي ثمانية عشر عاماً، ومعظم صناع السياسة يقرّون بحاجتنا لحلول سياسية للنزاعات العسكرية التي تورطنا فيها على مدار العقدين الماضيين. لكن في تلك الأثناء قامت آخر ثلاث إدارات أمريكية بإرسال قوات عسكرية لتمهيد الطريق لحل سياسي، وقد أبقت تلك القوات هناك تحت مزاعم حماية المدنيين من حركة طالبان في أفغانستان، وتنظيم الدولة في سوريا، وحركة الشباب في الصومال، وغيرها من المجموعات الأخرى المتشددة. مع ذلك، كثيراً ما يصبح هؤلاء المدنيون ضحايا لذات القوات العسكرية التي من المفترض أن واشنطن قد أرسلتها لحمايتهم، والنتيجة حربٌ كونية على الإرهاب تواصل قتل وجرح المدنيين، بما فيهم الأطفال، بأعدادٍ متصاعدة.

سوريا

أعلن تنظيم الدولة مدينة الرقة كعاصمة لدولة "الخلافة" المزعومة في كانون الثاني 2014، وبدأت إدارة أوباما بشن حملة قصف في سوريا في خريف ذلك العام، وتبع ذلك إرسال قوات برية عام 2015. كان منخرطاً في القتال على امتداد سوريا كل من تنظيم الدولة وقوى مختلفة تعمل في البلاد: إيران، تركيا، السعودية، الإمارات، إسرائيل، الولايات المتحدة، روسيا، ناهيك عن الحكومة السورية وتشكيلة متنوعة من قوات المعارضة. كان من نتيجة هذا الهجوم الكوني العنيف أن واجهت الرقة وسكانها المحاصرون موتاً ودماراً تواصلا لسنوات، لكن حملات القصف بقيادة الولايات المتحدة هي ما دفع المدنيون ومدينتهم أثماناً باهظة لها.

عنوان تقريرٍ لمنظمة العفو الدولية صادر في نيسان 2019 يلخص الوضع في المدينة: "الخطابية السائدة مقابل الواقع: كيف تركت (الحملة الجوية الأكثر دقة في التاريخ) مدينة الرقة لتكون المدينة الأكثر دماراً في الأزمنة الحديثة". كان الهجوم على المدينة لا ينقطع. يقول التقرير: "أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين تباهى بإطلاق حوالي 30 ألف قذيفة أثناء الحملة -ما يعادل ضربة كل 6 دقائق لأربع شهور متواصلة- وهو ما يفوق حجم نيران المدفعية المستخدمة في أي نزاع منذ حرب فيتنام."

وقد وثقت منظمة العفو مقتل 1600 مدني نتيجة الضربات الجوية على المدينة. في إحدى الحوادث، مبنى سكني مكون من 5 طوابق تقطنه 4 عائلات تمت تسويته بالأرض بفعل ضربة جوية. يقول التقرير:" تقريباً جميع قاطني المبنى - 32 مدنياً على الأقل، من بينهم 20 طفلاً- قُتلوا، وبعد أسبوع من هذه الحادثة قُتل 27 مدنياً بينهم أقرباء لأولئك الذين قُتلوا في الضربة الأسبق- عندما دمرت ضربة جوية مبنى مجاوراً"، بينما أعترف مسؤولو البنتاغون الذين تباهوا بقصفهم "الدقيق" للمدينة بمقتل فقط 159 مدنياً في الرقة.

أفغانستان

حرب الولايات المتحدة في أفغانستان في عامها الثامن عشر، وما زال مزيدٌ من المدنيين يموتون كل عام. فوفقاً للمفتش الخاص من أجل إعادة إعمار أفغانستان، تسيطر كابول المدعومة أميركياً، على حوالي 54% فقط من مناطق البلاد. ثمانية عشر عاماً من الحرب والاحتلال لم تقضِ على حركة طالبان، بل حدث العكس تماماً، إذ أن الولايات المتحدة وروسيا والعديد من جماعات المجتمع المدني الأفغانية يتفاوضون مع طالبان، بالمقابل يخفت بريق الحكومة الأفغانية تحت وطأة سقوطها في مستنقع الفساد والافتقار للكفاءة.

لقد سجلت الحرب في أفغانستان فشلاً ليس فقط بالمعنى السياسي، وإنما بالمعنى الإنساني أيضاً، فابتداءً من عام 2017 على الأقل، صار معدل وفيات الأطفال الرضع مساوياً للمعدل الذي كان عليه عندما كانت طالبان تحكم البلاد قبل الغزو الأميركي: في المرتبة الأولى على العالم.

التكلفة الإنسانية

توجد خلف الأرقام تكلفة إنسانية لا تطاق. تقول إحدى ثكالى مدينة الرقة:" شاهدت ابني يموت محترقاً وسط الركام الذي كان أمامي، لقد فقدت جميع أحبائي، أبنائي الأربعة، زوجي، أمي، أختي، وكل أفراد عائلتي. ألم يكن الهدف تحرير المدنيين؟ كان من المفترض أن ينقذونا، أن ينقذوا أبناءنا".

إن عدد ضحايا القذائف وضربات الطائرات المسيرة والمعارك هو فقط رأس جبل الجليد. هنا لا يدخل في الحسبان مئات الآلاف الذين يُقتلون في مناطق الحروب بفعل العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة، وبفعل الجوع الناتج عن خلخلة المنظومة الغذائية، والأمراض الناتجة عن قصف منشآت معالجة المياه والمشافي والعيادات الطبية.

إن القول القديم أنْ "لا حل عسكري لأي من هذه النزاعات" ما يزال صحيحاً، وطالما ما تزال الأعمال العسكرية الفاشلة قيد الممارسة فإن موت المدنيين سيستمر، وسيقتلون من قبل ذات الجنود والطيارين والقاذفات ومجالس الأمن القومي وأعضاء الكونغرس ممولي الحروب والبرلمانات ورؤساء الوزراء والرؤساء الذين يزعمون أنهم يحررونهم