الاحتلال القاعدي لإدلب وهوس الجولاني الأسدي

يحمل تمدّد "هيئة تحرير الشام" الأخير في محافظة إدلب، على حساب فصائل الجيش الحر، كلّ نذير سوء ممكن لسوريا وللثورة السورية و للسكان المدنيين في إدلب.

وبين هوس التمكين الذي يستبد بكلّ مكوّنات تنظيم القاعدة الإرهابي، ومجموعة مصالح منفعية ضيقة وذات طابع انتهازي خالص، يقع مصير إدلب والملايين من المدنيين الذين يسكنونها والذين لجأوا إليها، عالقاً في مزدوجة مريعة من عقليتي الإرهاب والمافيا.

لا تنتمي هيئة تحرير الشام باسمها المحوّر -هرباً من وصمة القاعدة الصارخة- إلى سوريا، لا تاريخاً ولا واقعاً ولا نمطاً من الغلو والتطرف العقائدي. و"النصرة" مهما حاولت التلطّي وراء مسميات شامية تظل مشروعاً منفصلاً عن كل محتوى يطمح إليه السوريون من ثورتهم، وعن كل أفق مدني ديموقراطي استشهد من أجله مليون سوري، وبات الآن أبعد بسبب تظافر وتواقت مشاريع الحكم الأبدي الديكتاتوري المتوحش لبشار الأسد والجولاني والبغدادي.

ولا يقدم تمكين النصرة في إدلب واحتلالها جلّ مساحة المحافظة سوى مزيداً من خطر تمرير الذرائع للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين من أجل ارتكاب مذابح مشفوعة بوجود تنظيم مصنّف دولياً كإرهابي، وهو على مسار موازٍ لا يدفع إلاّ نحو ما يحدث الآن فعلاً من نزوح ثانٍ وموجات هروب لكل نشطاء العمل الثوري، وتوقف متوالٍ ومكلف وخطير لبرامج المساعدات الدولية التي كانت تسد رمق الحياة في إدلب اقتصادياً وتعليمياً وصحّياً.

القاعدة بكل تفريخاتها المسلحة هي مشروع استبدال طاغية بطاغية، واستبدال لبوس قومي مزعوم يسوق أوهام استعادة أدوار تاريخية منقرضة بآخر ديني يسوق توهمات بناء خلافة لم يعد لها حيز في منطق التاريخ الراهن، لذا فالقاعدة ونظامي الأسد الأب والابن وجدا دائماً سبيلاً للتحالف على أنقاض بنى مدنية دمرتها الحروب.

وحتى في حالة احترابهما -حين تنتهي المصالح الموحّدة- فهما لا يقدمان صوراً مغايرة، بل إنّ نظام الأسد الآن يستبدل تطرف الزرقاوي (معلم الجولاني) في العراق بتطرف قاسم سليماني الذي يؤوي بعضاً من أخطر قادة القاعدة في إيران؛ والجولاني في هوسه التسلطي لا يسعى لبنية مغايرة عما يريده الأسد إلّا في صفة قوة القسر واحتكار السطوة على حياة البشر. ومالذي قد يشكل فارقاً بين أبو يقظان وبين سهيل الحسن؟

ومثلما نفى بشار الأسد حياة ملايين السوريين لتغذية بقائه الجغرافي المافيوي موقتاً، فإنّ الجولاني ينفي حياة ملايين المدنيين في إدلب ويتركهم تحت غائلة القصف البساطي الروسي من أجل مشروع لا فرصة أمامه في البقاء