الأمهات السوريات في الأيام الأخيرة قبيل رمضان.. امتناع عن الطبخ وانهماك في شؤون أخرى

تستنكف السوريات عادة عن الطبخ قبيل رمضان لاعتبارات عديدة لم يكن أهمها التوفير سابقاً. أما اليوم وفي ظل حالة التردي المعيشي التي أنزلت معظم السوريين في حفرة الفقر العميقة، فيشكل عامل إيقاف طبخ الأكلات الدسمة وتأجيلها لتكون حاضرة على الموائد الرمضانية، المحفز الرئيسي لآلاف ربات البيوت لممارسة عادة التوقف عن الطبخ التي تبدأ قبل بضعة أيام من قدوم الشهر الفضيل.

وهذه العادة لا تعني البدء مسبقاً بالصيام، بل الاعتماد على أكلات خفيفة أو الطعام الجاهز الذي يفتقد عادة في رمضان أو "حواضر البيت" التي تشمل وجبات خفيفة موجودة على الدوام في كل البيوت السورية، مثل المكدوس والزعتر والزيتون والمربيات واللبنة. غادة سيدة أربعينية تعيل أسرة من 3 أفراد وتقيم في دمشق، لم تحضّر أي طبخة منذ ثلاثة أيام، مكتفية لإطعام عائلاها بما توفر من حواضر البيت "مكدوس، زعتر وزيت، زيتون، ولبنة" وفق ما تعدد. وتضيف بأن "الطبخات الدسمة مؤجلة لرمضان، هي ليست دسمة بالضبط، فمثلاً أكلة المحشي مع القليل من اللحم والتعظيمة لم تعد وجبة دسمة".

ويقود التوفير عدداً كبيراً من السيدات في إدلب حيث تعمل الكهرباء التركية على مدار ال24 ساعة، إلى الامتناع عن طبخ الأكلات التي يدخل الدجاج ولحم الغنم أو العجل ضمن مكوناتها، وينشغلن بتوضيب ما يجلبه أزواجهن من كميات قليلة أو كثيرة من اللحم في أكياس شفافة، ثم زجها في الثلاجة كجزء من التحضيرات الرمضانية التي اعتاد عليها السوريون.

لكن عامل التقشف حاضر بكثافة في إدلب أيضاً، كما في دمشق ومعظم المحافظات السورية. جميلة سيدة خمسينية تقيم في مدينة معرة مصرين شمالي إدلب وتعيل أسرة متوسطة، تمكنت من توضيب بضعة كيلوات من لحم الدجاج في ثلاجتها التي تقول عنها بأنها "كانت شبه فارغة، وما تزال حتى الآن بحاجة إلى المزيد".

تزامن انتظار شهر رمضان مع عيد الأم، وهذا ما جعل الأمهات اللواتي احتفلن بهذه المناسبة يخبئن نصف كميات أكلات الاحتفال بعيدهم إلى رمضان. أميمة (44 عاماً تقيم في ريف دمشق وتعيل أسرة صغيرة ) قامت بفرز كمية الكبة المقلية التي طبختها بمناسبة عيد الأم "إلى نصفين: قسم للأكل والقسم الآخر في الثلاجة" كما تروي لعين المدينة. ومن حسن حظها أنها تمتلك طاقة شمسية ومدخرة كبيرة، وثلاجتها تعمل لساعات نهارية طويلة.

تقتنص بعض السيدات الأيام الأخيرة من الإفطار لتأدية زيارات مكوكية لا تكاد تنتهي، إلى منازل الجارات والأقارب. لذلك يمتنعن عن الطبخ لأن "هذه الزيارات تأكل النهار بأكمله" بحسب أم توفيق وهي سيدة خمسينية من دمشق تعيل أسرة متوسطة. وفي غيابها تعتمد أسرة أم توفيق على صنع طبخات خفيفة مثل البيض المقلي أو المسلوق والمعكرونة والمجدرة والسبانخ والبطاطا المسلوقة أو المقلية، إضافة إلى ما يتوفر في المطبخ من الحواضر المنزلية المعروفة.

بعض السيدات يفضلن ترك الزيارات والاستقبالات إلى أيام عيد الفطر، وينهمكن في الأيام الثلاثة أو الأربعة التي تسبق رمضان في "تعزيل المطبخ وتنظيف الأواني وغاز الطهي". بينما تلجأ بعضهن إلى توسيع أعمال التنظيف لتشمل سائر المنزل، ولأن العملية تبدأ قبل أسبوع، فعدم توفر الأكل المطبخي طوال هذه المدة أمر تعتاد عليه أسرهن قبل كل رمضان.

كما تستغرق عملية التحضيرات الرمضانية -خاصة للأسر الأقل فقراً- مدة لابأس بها تقوم السيدات فيها بفرط الفول والبازلاء، بسبب تزامن الموسم الرمضاني مع موسم البقوليات، وتقطيع وتتبيل الدجاج الذي يعتبر العنصر البروتيني الأساسي على المائدة الرمضانية، وتجهيز المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها الصائمون.

وفي المجمل يتحول التوقف عن الطبخ في هذه الأيام من استراحة تهدف إلى شحن الطاقة الجسدية والنفسية للسيدات قبيل "عجقة المطبخ الرمضاني"، إلى الدخول في ما يشبه "خلية النحل"، التي تجهد في مشاوير المعارف والأسواق، وعمليات التنظيف والتوضيب. مع ما تتكبده السيدات العاملات أو الموظفات من مشقة مهنية تفاقمها مشقة التحضير للشهر الفضيل، لكنها مشقة تجلب الكثير من المتعة كما روت العديد من السيدات لعين المدينة، لاسيما حين تتوفر معظم الاحتياجات الرمضانية أو حتى جزء منها.