ظهر بشار الأسد مجدّداً في بيئته الإعلامية المفضّلة، قناة «روسيا اليوم»، ليُعلن قرب انتهاء ما وصفها بالأزمة في سوريا، مُقدّماً دفعة استنتاجات، شاذّة كالعادة، ولا تمتّ إلى منطق المقدمة والنتيجة بأيّ صلة.

وقد يكون التفسير الشائع، منذ سبع سنوات، أنّ الأسد يعيش حالة إنكار كاملة لما يجري حوله، لكن هذا التفسير مازال قاصراً عن ملاحقة تطور هذه الحالة وتكيّفها الدفاعي مع كل تطوّر يحيق بنظامه المتهالك.

في المقابلة، تُشخص سوريا أخرى، غير تلك التي يعرفها مواطنوها، وكلّ من شاهد نشرة أخبار خلال السنوات المنصرمة. إنّها سوريا قوية مهيبة الجانب، ترتعب منها أميركا وإسرائيل، بعد أن هزمتهما شرّ هزيمة، سوريا آمنة لا قصف ولا دمار ولا موت فيها، لا تعذّب أحداً، ولا تقتل أحداً، ولا تشرّد أحداً، ولا تعفّش أحداً. لكنها في تفسير حرفي قاله الأسد بنفسه، سوريا التي تخاف منها إسرائيل؛ فتقصف مطاراتها، وتخشاها أميركا فتسيطر على ربع مساحتها.

أنكر الأسد وجود قوات أو مليشيات إيرانية في سوريا، مع أنّ هذه المليشيات ذاتها تملأ مواقع التواصل الاجتماعي بصور وأفلام عن «مآثرها» الوحشية والتعفيشية في أرجاء سوريا. أنكر سقوط قتلى في الضربات الإسرائيلية، بينما شيعت إيران العشرات منهم علناً، وأنكر استخدام السلاح الكيماوي في دوما، مع أنّ الأمم المتحدة تؤكد أنّه مازال يحتفظ بمخازين من غازات الأعصاب والخردل والكلور، وأنّه استخدمها بلا انقطاع.

يكذب الأسد في كل ما يقول، هذا ليس استنتاجاً عسيراً، لأنّه ببساطة لا يعرف كيف تكون عملية إنتاج الحقيقة، كلّ ما لديه من علاقة بالحقائق هي أنّها تهدد مشروع حكمه الأبدي.

ثمة حقيقة واحدة في مقابلته التي تشبه كل ما قال منذ انطلاق الثورة، الأسد انتقل من وضعية التشدّق بالتحالف العضوي مع حاميه فلاديمير بوتين، إلى وضعية تكشف ذعره من انفراط التحالف غير المتكافئ، فأمضى نصف وقته في تقديم قرابين النفاق و«تمسيح الجوخ» لحكمة بوتين. ولعل ردّه الصبياني على إهانات ترامب يكشف الكثير أيضاً، «الكلام صفة المتكلم»، هو حقاً كذلك حين يتعلق الأمر بمن لا يتحدث إلا منكراً، إنها صفة المجرم.